أزمة روسيا ومنظمة التجارة العالمية مستمرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

مضى نحو ستة عشر عاماً منذ بدء مفاوضات روسيا للانضمام لمنظمة التجارة العالمية، وكلما اقتربت المسألة من الحل ظهرت مشاكل وتعقيدات تعوق التنفيذ، بحيث باتت روسيا الدولة الوحيدة من بلدان الاقتصاديات الكبرى خارج هذه المنظمة التي لا تلقى العضوية فيها قبولا لدى شرائح كثيرة من المجتمع الروسي .

 

ولا يرى العديد من خبراء الاقتصاد الروس أية فوائد في الانضمام إليها، بل على العكس يرون العديد من الأضرار المباشرة والغير مباشرة على الاقتصاد وعلى المجتمع الروسي ككل من وراء الانضمام لهذه المنظمة التي أنشأتها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الغربيون عام 1995 لتخدم بالدرجة الأولى مصالح الرأسمال الدولي الكبير، أي الشركات ما فوق القومية .

 

وليس الاقتصاديات الوطنية. ويرى الكثيرون أن الهدف الحقيقي لمنظمة التجارة العالمية هو انتزاع حق التوجيه المستقل للاقتصاد الوطني من الدول النامية، أي حرمان هذه الدول من السيادة الاقتصادية ومن إمكانية تطبيق سياسة ذات توجهات اجتماعية.

 

وهناك حتى من يعتقد أن الانتساب إلى منظمة التجارة العالمية يمكن أن ينسف مواقع الصناعة الوطنية ويقود إلى غزو الأسواق المحلية من قبل الشركات فوق القومية. وكان من المتوقع انضمام روسيا للمنظمة في أواخر العام الماضي.

 

2010، ولكن ظهرت عقبات جديدة من قبل دول صغيرة أعضاء في المنظمة تكن لروسيا عداء وكراهية، مثل جورجيا التي سبق أن انسحبت من عملية التفاوض في ابريل عام 2008 احتجاجاً على قرار الرئيس الروسي دميتري مدفيديف برفع العقوبات الاقتصادية عن ابخازيا واوسيتيا الجنوبية.

 

روسيا ترى أن العقبات التي يضعها البعض أمام قبول عضويتها في المنظمة تتصل بقضايا سياسية لا تمت بصلة بنشاط وتوجهات المنظمة التجارية والاقتصادية، وآخر هذه العقبات التي سمعنا عنها هي الموقف الروسي من الحرب التي يشنها حلف الناتو في ليبيا، حيث استخدمت بعض الجهات ورقة عضوية منظمة التجارة العالمية للضغط على روسيا لتعديل موقفها في ليبيا لصالح الحلفاء الغربيين .

 

وقد صرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قائلاً: «إن روسيا لا تربط بين انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية وتقديم «تنازلات» فيما يخص مسائل أخرى بما في ذلك القضية الليبية». وقال الوزير «إن منطلقاتنا فيما يتعلق بموضوع الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية بسيطة وتتلخص في أن لدى المنظمة قواعدها ومعاييرها لانضمام الدول إليها.

 

ونحن ننفذ مطالبها بدقة في كل مجال يجري التفاوض حوله». ولدى تطرقه إلى موضوع معارضة جورجيا لانضمام روسيا إلى المنظمة أشار لافروف إلى انه ثمة إمكانيات لحل هذه المسألة بدون مراعاة الموقف الجورجي.

 

وقال بهذا الصدد انه «في حال استمر زملاؤنا الجورجيون في الإصرار على موقفهم المسيس سنضطر على الأرجح لحل هذه المسألة بدون مشاركتهم». البعض يطالب روسيا بتطبيق أحكام اتفاقيات التجارة الحرة قبل دخولها في عضوية المنظمة، وروسيا ترفض ذلك تماما وتعتبرها خدعة سيئة النية، إذ إنها تخشى تطبيق هذه القواعد ثم تتعرض للمماطلة في قبول عضويتها .

 

وقد صرح رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين بهذا الشأن قائلا: «إنني قد كررت مرات عديدة أننا سنطبق القواعد بعد انضمامنا إلى منظمة التجارة العالمية»، مضيفاً أن «هذا هو إيعاز مباشر.

 

ويجب أن نقول للشركاء إننا لن ننفذ شيئا حتى تصبح روسيا عضوا متساوي الحقوق في المنظمة». الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف يرى إمكانية أن تنضم روسيا إلى منظمة التجارة العالمية قبل نهاية هذا العام، ولكنه يستبعد انضمام بلاده إلى المنظمة وفقا لشروط لا تخدم مصلحتها .

 

وقال ميدفيديف في كلمة ألقاها مؤخرا في منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الدولي «إنهم يحاولون انتزاع تنازلات كثيرة جدا منّا، ونحن نرفض ذلك». وأضاف ميدفيديف محذراً «أن روسيا ستحقق هدفها من خلال توقيع اتفاقيات ثنائية مع شركائها التجاريين كافة إذا لم يتراجع مَن يضع الشروط التعجيزية عن ذلك» ..

 

إلفيرا نبيؤولينا وزيرة التنمية الاقتصادية الروسية حذرت من أن المفاوضات حول انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية قد تطول إلى سنوات في حال عدم التوصل قبل نهاية الصيف الجاري إلى اتفاق بشأن المسائل العالقة .

 

وقالت الوزيرة انه من بين المسائل العالقة حصص واردات اللحوم إلى روسيا ومستوى الدعم لقطاع الزراعة وتجميعِ السيارات والمعاييرِ الصحية للمنتجات الغذائية المستوردة. في الواقع أن محاولات الخلط بين السياسة والاقتصاد في مسألة انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية ليست موفقة .

 

حيث إن روسيا تنطلق من أن منظمة التجارة العالمية ليست مؤسسة اقتصادية فوق الدول وإنما مؤسسة تجري فيها صياغة العلاقات الاقتصادية وحيث يستطيع المشاركون فيها الحصول على أفضل الشروط الاقتصادية .

 

وإذا كنا نرى محاولات للخلط بين السياسة والاقتصاد في قضايا دخول روسيا منظمة التجارة العالمية فإن هذه محاولات فاشلة. فالاقتصاد الروسي لن ينغلق أمام الاقتصاد العالمي ولن يوصد أبوابه أمام الشركات والمؤسسات الأجنبية، بل سيظل منفتحا ومتبعا لسياسة السوق التي لا تراجع عنها.

Email