تخوفات روسيا من الأزمة السورية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يسود اعتقاد في الأوساط السياسية الروسية أن دمشق هي الحليف الأقرب من بين الدول العربية، والذي تعول عليه موسكو كثيرا، ليس فقط في مجال التعاون الاقتصادي والسياسي، وإنما في المجال العسكري. إذ يعتبر ميناء طرطوس السوري محطة التمويل التابعة للقوات البحرية الروسية من أهم مرتكزات قطع الأسطول الروسي. وعلى مدار الأعوام الماضية يجرى تحديث هذه المحطة وتعميق غاطس المياه هناك لتستقبل الطرادات الروسية، ولكي يتم تحويلها لقاعدة أساسية في البحر الأبيض المتوسط. لتوفر التموين والصيانة لسفن الأسطول الروسي العابرة من البحر الأسود عبر مضيق البوسفور إلى البحر المتوسط، وهو المسار الأساسي للأسطول الحربي الروسي، وبدون هذه المحطة يفقد الأسطول فاعليته في البحار الدولية، حيث أن هذه المحطة يمكن أن تكون خط متقدم في مواجهة أي زحف غربي تجاه الشرق.

وقد يعتبر البعض أن دوافع تصريحات الرئيس ميدفيدف التي أكد فيها إن روسيا ستستخدم حق (الفيتو) لمنع مجلس الأمن من إصدار قرار بشأن سورية يماثل قرار1973 الذي صدر بشأن ليبيا، هي مصالحها العسكرية هناك. لكن الأمر لا يقتصر على التعاون العسكري الروسي ــ السوري، وإنما يتسع ليتضمن عوامل أخرى تحظى لدى موسكو باهتمام كبير، من أبرز هذا العوامل خشية روسيا أن تصبح قرارات الشرعية الدولية غطاء لعمليات عسكرية سيئة النية وتخدم مصالح مغلقة لجهات معينة على حساب مصالح الشعوب والدول الصغيرة والضعيفة.

وقد كشف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن موسكو ستبذل كل جهودها في سبيل إلا ينزلق الوضع في سورية ويتحول إلى السيناريو الليبي. بل أنه اعتبر أن رأيا عاما عالميا وإقليميا بدأ يتشكل يرفض مساندة الراغبين في استفزاز الوضع وتحويله إلى النسق الليبي. لكن روسيا لم تغمض عينيها، كما يقول البعض، عن استخدام العنف والقوة المفرطة ضد المتظاهرين في سورية، حيث لم يستبعد الرئيس ميدفيدف إصدار نداءات أو بيانات دولية تدين العنف ضد المتظاهرين السلميين في سوريا، وضرورة إجراء إصلاحات عاجلة، بدءا من إلغاء حالة الطوارئ مرورا بالتحضير لانتخابات طبيعية وانتهاءً بفتح حوار واسع وصريح مع كافة القوى السياسية، وكما دعت روسيا المعارضة الليبية للمباحثات في موسكو، واستجابت، دعت موسكو أيضا المعارضة السورية وطلبت منها قبل الوصول إلى العاصمة الروسية بالمبادرة بالدخول في حوار مع الحكومة وعدم تجاهل الإصلاحات التي يدعو لتنفيذها الرئيس بشار الأسد.

ويعتبر البعض أن مخاوف موسكو ليست في موضعها الصحيح، وأن السيناريو الليبي لا يمكن أن يتكرر في سوريا، لأن المعارضة السورية قد أعلنت رفضها المطلق لأي تدخل عسكري أجنبي، وطالبت المجتمع الدولي باتخاذ موقف سياسي وإنساني، بعد سقوط أكثر من 1500 قتيل وآلاف من الجرحى، وأكثر من 12 ألف معتقل ومثلهم من المهجرين. ويبدو أن إصرار الحكومة السورية على تصدي قواتها الأمنية لمؤامرة غامضة، ومسلحين مندسين تصل أعدادهم إلى عشرات الآلاف، وهي الرواية التي يصعب على الكثيرين تصديقها، لأنها لم تتمكن من تحديد هوية الجهات المسؤولة والمنفذة لهذه المؤامرة. كما أن هذه الرواية تفقد الحكومة مصداقيتها في أنها قادرة على السيطرة على تطورات الأزمة وإدارة شؤون البلاد. لكن العديد من الأطراف المحلية والدولية، بما فيها موسكو، ليس أمامها بديل سوى قبول هذه الرواية بصرف النظر عن ثغراتها، وذلك لحماية مصالحها الإستراتيجية.

وإذا اعتبرنا أن إصرار موسكو على عدم إدانة حكومة بشار الأسد كان بسبب رفض روسيا لتكرار السيناريو الليبي، فإن بعض السياسيين يرى أن دعم النظام السوري مهمة ملحة بالنسبة للمصالح الروسية في المنطقة، أولا: لمواجهة الزحف الأميركي الذي يحاول الحفاظ على مواقع نفوذه، وثانيا: لأن سقوط نظام بشار الأسد قد يلقي السلطة في أيدي مجموعات سياسية أخرى معادية لروسيا. إلا أن المؤشرات الأولية لطبيعة التحركات الجماهيرية في سورية وأطياف المعارضة هناك التي بدأت تتبلور يكشف عن أن هذه المخاوف ليس لها أساس من الصحة.

إذ أكدت مختلف أطراف المعارضة السورية على أن العلاقات التاريخية التي تربط روسيا مع الشعب السوري لن تتأثر مع سقوط النظام لأنها علاقات قائمة على مصالح وعلى تاريخ مشترك بين الطرفين. بل أن هذه المعارضة دعت موسكو إلى النظر لمصالح روسيا البعيدة المدى. أهمية هذا الموقف تأتى في ظل مساعي واشنطن لتجاوز مؤسسات المجتمع الدولي، لتوسيع نفوذها وتواجدها في المنطقة من خلال دعم تحركات الشارع السوري. لاشك أن مجرد الرفض لهذه التوجهات لا يكفى، لأن التغيرات العميقة التي تجري في الشرق الأوسط باتت تتطلب مساهمة فعلية وملموسة، لتوجيه مسار الأحداث نحو إنقاذ الإقليم من اتون الدمار والنزاعات المسلحة.

كاتبة روسية

Email