دروس أميركية في يوم الذكرى

ت + ت - الحجم الطبيعي

مثل الملايين من الأميركيين الذين انطلقوا على الطرق، مؤخراً، للاحتفال بيوم الذكرى، خرجت أنا أيضاً لبعض الوقت. وأخذتني سفرياتي إلى «بروفيدانس» في «رود آيلاند». فلم تكن عطلة، بل جاءت بمثابة انتعاشة لي بطريقة أكثر عمقاً من معظم العطلات التي قضيتها.

 

كنت في «بروفيدانس» لتلقي درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة «براون». وتعتبر الدكتوراه الفخرية، بطبيعة الحال، مناسبة احتفالية فحسب، ولكنني أشعر فعلاً بأنني حصلت على تعليم، .

 

وهو تعليم مضغوط على وجه اليقين، لكنه متعمق. والتقليد المتعارف عليه في جامعة «براون»، هو أن الحاصلين على درجة الدكتوراه الفخرية يتم إلحاق كل واحد منهم بأستاذ جامعي كمرشد لهم في الإجراءات.

 

ولحسن الحظ، كان مرشدي هو الدكتور «كينيث ميلر»، وهو عالم أحياء ومؤلف الكتاب الرائع للدفاع عن النظرية الداروينية «العثور على إله داروين». والتفاعل بين وقتي مع الدكتور «ميلر» والموضوعات التي قدمها الطلاب الموهوبون الذين تم اختيارهم لإلقاء كلمة في الاحتفال، هو ما جعلني أشعر بأنني غاية في النشاط.

 

الموضوع الأول طرحته الطالبة «إيليز ترينه»، التي جاءت كلمتها بعنوان «تعليم بالإيثار». فقد تحدثت عن وجود نوع من التجلي يشمل السناجب؛ نعم السناجب. ولم تأت بصيرتها المفاجئة من سنجاب حقيقي، .

 

ولكن من ورقة بحثية قرأتها يعود تاريخها إلى عام 1977، كتبها عالم الأحياء «بول شيرمان». فقد سعى «شيرمان» إلى تفسير سبب صراخ بعض السناجب، عندما يواجهها حيوان مفترس في المنطقة المجاورة، .

 

وذلك لجذب انتباه هذا الحيوان المفترس، وبذلك تضحي بنفسها لتكون السناجب الأخرى بمنأى عن الخطر. ومن شأن هذا السلوك أن يبدو متعارضاً مع التطور، لأن مثل هذا الإيثار لن ينتقل بشكل وراثي،.

 

وبالتالي يتم استبعاده. ولكن، كما شرحت «ترينه»: «إن الجين أو الجينوم هو الذي يحاول البقاء على قيد الحياة، وليس الفرد ولا النوع. وبذلك فإذا نفق سنجاب وبذلك حفظ إخوانه (وهم الذين يشترك معهم في الكثير من الجينوم)، فإن صاحب الجينات يظل باقياً ولا يزال هو الأصلح. قدمت الدراسة لدنيا العلوم الأساس التطوري للإيثار»..

 

وقد دفعتها هذه الدراسة إلى أن ترى العلم بمنظور مختلف، فما شاهدته في زملائها المجتهدين في مجال العلوم، هو أن «أداتهم الرئيسية كانت البيانات، ولكن السرد والقصة هما اللذان ألهماهم، سواء قصة نضال عائلاتهم أو قصة الطفل الذي لم يعرفوا أنه يذهب للنوم جائعاً». واختتمت كلمتها بالقول:

 

«إن التعاطف هو الصلة الدائمة والأكثر أهمية من بين جميع مجالات الدراسة»، وأنه «يجب علينا الاستماع إلى نبضات الإيثار بداخلنا، إذا كنا نرغب في البقاء والنماء بشكل جماعي". عند تلك النقطة، كنت على استعداد لمنحها درجة الدكتوراه الفخرية الخاصة بي.

 

أما الموضوع التالي الذي طرح على المنصة فقد كان للطالب «جاكوب كومبز»، الذي قال للجمهور إنه تعلم القراءة قبل سنة فقط من التخرج، وذلك بفضل امرأة اسمها «جيني». بالطبع كان يعني أنه تعلم طريقة مختلفة في القراءة، على يد فرجينيا وولف، التي كان يلقبها «جيني» لكي يجعلها أكثر قدرة على التواصل وأكثر واقعية بالنسبة له.

 

فما علمته إياه كان أن «القارئ ليس أحد المارة العابرين، وإنما هو مشارك نشط في تشكيل القصة». وبعبارة أخرى، فإننا نعيد كتابة النص على أساس السرد الخاص بنا.

 

. وقال «كومبز»: «عندما يحدث هذا، فإن القارئ يعيش ما أسمته وولف بلحظة الوجود، وهي اللحظات التي نصبح فيها أنفسنا من خلال صنع شيء من الكلمات، والعالم من حولنا»..

 

أما الجزء الثالث من تجديد نشاطي ليوم واحد، فقد جاء امتناناً لوقتي الذي قضيته مع الدكتور ميلر. وبما أنني أعجبت لفترة طويلة بالطريقة التي كان يدمج من خلالها معتقداته المسيحية وفهمه كعالم للتطور، فقد أحببت حديثنا بشأن العلم والروحانية.

 

وهو يذهب إلى القول إن خطأ من يحاولون التوفيق بين العلم والإيمان في نظريات من نوعية التصميم الذكي، هو أنهم يسعون إلى «التقرب إلى الله بما لم يفسره العلم بعد.

 

وبإنكار الاكتفاء الذاتي للطبيعة، فإنهم يبحثون عن الله (أو على الأقل عن «مصمم») في أوجه القصور بالعلم... والمشكلة هي أن العلم في ظل وقت كافٍ، يوضح بشكل عام الأشياء الأكثر إثارة للحيرة».

في الحقيقة، لو أننا، .

 

كما قال جاكوب في كلمته، نفكر لأنفسنا، ونكتب السرد الخاص بنا، ونختار «لحظات وجودنا»، فمن السهل واقعياً أن نحيا حياة متصلة بكل من العلم والروحانية. وكما ذكرتنا «إيليز ترينه»: «المحبة تجعلنا أكثر ملاءمة لبيئتنا بشكل يفوق عدم المحبة«. .

 

من أفواه الخريجين المخضرمين وأساتذة الجامعات الحكماء تأتي دروس الحياة القيمة، وهي دروس تستحق التذكر في عطلة نهاية الأسبوع المخصصة لتذكر التضحيات لمن قدموا حياتهم دفاعا عنا، ولتكريم من يواصلون القيام بذلك.

 

 

Email