هل انتهت القاعدة؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

برحيل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، طرحت تساؤلات من قبل محللين حول مستقبل التنظيم، وتراوحت الإجابات بين محورين رئيسيين الأول أن التنظيم لن يتأثر كثيرا برحيل أسامة بن لادن لأنه في السنوات الأخيرة لم يكن يقوم بأي جهد تنظيمي أو حركي على الأرض، .

وإنما كان الأمر منوط بنائبه أيمن الظواهري، وبين أن التنظيم سوف يتأثر نوعيا بغياب بن لادن لأنه سوف يحرمه من ميزات متعددة منها الروح الثورية التي كان يتمتع بها بن لادن ومصادر التمويل التي كانت تتوفر للتنظيم بسبب اتصالات وعلاقات زعيمه.

ولكن الواقع أن الإجابة الحقيقية على السؤال المطروح هي في منطقة وسط بين الإجابتين، فالتنظيم لن ينهار تماما، لكنه في نفس الوقت لن يستمر على النحو الذي كان عليه من الخطورة وتهديد السلم العالمي. فرحيل أسامة بن لادن يعد ضربة قوية للتنظيم حتى وان كانت على الصعيد الرمزي، لكن الهيكل التنظيمي له هيكل عنقودي به قدر كبير من اللامركزية بما يعنى أن الغياب لن يكون فرصة لموت التنظيم أو نهايته.

. وبعيدا عن القيادة الجديدة التي سوف تتولى قيادة التنظيم وهى لم تحدد حتى الآن، فانه تولدت لدى التنظيم حاليا رغبة كبيرة في الانتقام لمقتل بن لادن، تزيد من عدائه للغرب وكره عناصره له، بما يعنى ان السلم العالمي لن يتحقق إلا بضربات أخرى نوعية للتنظيم، .

فما حدث لن يتعدى التأثير على الروح المعنوية لعناصر التنظيم من جهة، ورفع الروح المعنوية للغرب خاصة الشعوب التي تصورت أن مقتل بن لادن كان بمثابة ثأر لها من عمليات إرهابية متعددة وليس فقط تفجيرات 11 سبتمبر 2001.أما على الأرض فلم نعرف حتى الآن ماذا سيحدث، ليس فقط لأننا لم نعرف القيادة الجديدة للقاعدة، ولكن لأننا لا نعرف اتجاه انتقام التنظيم ومن سيقوم به.

فالقاعدة ليس فقط التنظيم الذي يحارب الولايات المتحدة وتحاربه في أفغانستان وباكستان، ولكن الآخر منه على السلم العالمي هو ما يعرف بالتنظيمات المرتبطة بالقاعدة، ومنها شبكات متعددة نائمة في الدول الأوروبية، ومنها تنظيم آخر خطير ونشط يعمل في منطقة المغرب العربي وبلاد الساحل الصحراوي في أفريقيا هو تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، .

وهو بنشاطه يهدد الرعايا الغربيين في عدة بلاد منها المغرب والجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر، فضلا عن انه يهدد دول جنوب أوروبا مثل أسبانيا وفرنسا وايطاليا وغيرها، وذلك لأن له عناصر في هذه الدول تقدم له التمويل والدعم اللوجستي.

وهناك من يتوقع أن يكون انتقام القاعدة عبر واحد من التنظيمات المرتبطة به، لأنها تتمتع بمرونة ومجال حركة، خاصة من الناحية الجغرافية اكبر من التنظيم الأم، وهذا الأمر يدفعنا لطرح تساؤلات حول مستقبل هذا التنظيم، فهناك من يرى أن رحيل بن لادن يمكن أن يدفع «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» إلى العمل بمفرده بعيدا عن القاعدة ذلك انه كان يكن تقديرا عاليا لبن لادن .

كما بدا من البيان الذي أعلن فيه انضمامه للقاعدة في نهاية عام 2006، أو كما بدا عندما أعلن منذ شهور قليلة عندما طلب الغرب التفاوض للإفراج عن رهائن فرنسيين اختطفوا في منطقة الساحل الأفريقي على يد التنظيم، كان الرد هو ان الوحيد القادر على التفاوض حول هذا الأمر هو أسامة بن لادن شخصيا.

وبالطبع فإن قرار الانفصال عن التنظيم سيتوقف على الشخصية التي سوف تتولى قيادة التنظيم بعد بن لادن فلو كان أيمن الظواهري فالمتوقع الا ينفصل «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» وفى كل الأحوال فلن يكون القرار علنيا، وبالطبع فهو لن يثني التنظيم على التراجع عن رغبته في الانتقام لمقتل بن لادن.

وبالطبع فإن تنظيم القاعدة، سواء الأم أم تلك التنظيمات المرتبطة به تتابع ما يثار إعلاميا من حديث حول نهايته، وهذا الأمر قد يدعوه إلى الاستعجال في تنفيذ عملية الانتقام أو عملية أخرى بهدف إثبات الوجود، وهو الأمر الذي من الممكن أن يؤدى إلى الكشف عن خلايا نائمة أو عن استراتيجية عمل التنظيم في المستقبل، .

وقد يكون الحديث العلني عن مستقبل التنظيم وراءها خطة استخباراتية تهدف إلى دفع التنظيم إلى الخروج علنا للكشف عن طريقة عمله أو لبيان ما إذا كان تأثر بغياب بن لادن أم لا، وبالتالي فإن معرفة مدى تأثر التنظيم لن تكون في المدى القصير ولكنها لابد وان تكون على المدى المتوسط، حتى يكون الحكم دقيقا وليس متسرعا.

إن تنظيم القاعدة في باكستان أو أفغانستان أي القاعدة الأم سيكون الأكثر تأثرا بغياب أسامة بن لادن، ولكن ذلك لن يكون بمثابة موت للتنظيم لأن هناك بيئة حاضنة له، فضلا عن أن عناصره لم تعد لديهم خيارات أو بدائل، سواء في المنطقة التي يعيشون فيها حاليا أم في البلاد التي أتوا منها. على العكس من ذلك فإن التنظيمات المرتبطة بالقاعدة، .

وهى بالأساس تنظيمات لها قضايا محلية أو إقليمية على عكس التنظيم الأم المهتم أكثر بقضايا دولية تتمثل في مواجهة الولايات المتحدة أو ما يطلقون عليه الطاغوت الأكبر، لديها هامش حركة مختلف تماما عن القاعدة الأم، بما يعنى أن الحديث عن مستقبل القاعدة لابد وان يكون على محورين القاعدة الأم والتنظيمات المرتبطة، وكلا المحورين لابد وان تكون هناك إجابة مختلفة حوله.

Email