العرب واتحاد سوفييتي اقتصادي جديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

على ما يبدو أن التحالفات والاتحادات السياسية والعسكرية قد أصبحت موضة قديمة تجاوزها الزمن والتغييرات والتطورات على الساحة الدولية، هذا الزمن الذي يوجد شبه إجماع على أنه زمن «الاقتصاد»، وخاصة الاقتصاد البعيد عن السياسة والأيديولوجيات التي سادت العالم طيلة القرن الماضي، .

هذا القرن الذي شهد تأجج الصراعات الأيديولوجية التي قسمت العالم نصفين، أحدهما رأسمالي والآخر اشتراكي، ورغم أن كل اتجاه منهما كان له شكله الاقتصادي المتميز تماما عن الآخر، إلا أن كلاهما كان يخلط الاقتصاد بالسياسة في صراعاته مع الآخر، .

ورغم انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك المعسكر الاشتراكي، إلا أن أحدا لا يستطيع أن يجزم بنجاح وتفوق النظام الرأسمالي، سواء سياسيا أو اقتصاديا، وما حدث خلال الأعوام الثلاثة الماضية في أعقاب اندلاع الأزمة العالمية يؤكد على وجود عيوب ومساوئ كثيرة للنظام الاقتصادي الرأسمالي السائد منذ قرن مضى، والدليل على ذلك عودة التأكيد على أهمية دور الدولة.

روسيا الحديثة المستقلة التي استوعبت جيدا دروس الحقبة السوفييتية، ومازالت تعاني من رواسب الحرب الباردة في التعاملات مع الغرب، وخاصة في المجال الاقتصادي، تعلم جيدا أن عالم اليوم ليس عالم الدول العظمى الكبيرة صاحبة القوة العسكرية والاقتصادية الضخمة، بل هو عالم الكيانات الجماعية، وخاصة الاقتصادية منها،.

وهذا أمر يفرضه الواقع والتطور التكنولوجي الهائل في عالم الاتصالات والنقل وتبادل المعلومات، وأن الدولة الواحدة مهما بلغت إمكانياتها وقدراتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية لا تستطيع العيش بمعزل عن الآخرين أو بالتعالي وممارسة نفوذها وهيمنتها عليهم، .

ولهذا نأت روسيا تماما عن سياسات فرض الهيمنة والنفوذ التي مازال الآخرون يمارسونها واتجهت إلى الدول الأخرى تمد لها يد العون والتعاون وتبادل المصالح والمنفعة، وبدأت روسيا بجيرانها من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وبذلت موسكو محاولات عدة لخلق كيانات اقتصادية وأمنية مع هذه الدول، بعض هذه لكيانات تعثر وتوقف وبعضها استمر وتطور، .

وأشهرها الاتحاد الجمركي الثلاثي الذي تأسس بين روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا، هذا الاتحاد الذي تأسس في ديسمبر عام 2009، ومن المتوقع أن يمكّن الاتحاد الجمركي الدول الثلاث من زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 15% قبل حلول عام 2015. والآن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للدول الثلاث تريليوني دولار أمريكي بينما يبلغ حجم التبادل التجاري بينها 900 مليار دولار.

وتملك الدول الثلاث البالغ إجمالي عدد سكانها قرابة 180 مليون شخص، احتياطات من النفط تقدر بـ90 مليار برميل. وتجدر الإشارة إلى أن روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان تمتلك 83% من اقتصاد الإتحاد السوفيتي السابق.

وعند تأسيسه توقع الكثيرون أن هذا الاتحاد الجمركي سيشكل حجر الأساس للاتحاد الاقتصادي المستقبلي في الساحة السوفييتية سابقا، لكن على ما يبدو أن الأمور تطورت أكثر مع دخول هذا الاتحاد حيز التنفيذ والعمل في يناير من العام الماضي، .

حيث عبرت دول أخرى عن رغبتها للانضمام لهذا الاتحاد للاستفادة من مميزاته وإمكانياته، خاصة في ظروف الأزمة المالية العالمية التي دمرت اقتصاديات دول كثيرة ومازالت مستمرة، هذه الأزمة التي دفعت دول من خارج الساحة السوفيتية السابقة، بل وبعيدة عنها تماما، إلى إبداء رغبتها للانضمام لهذا الاتحاد الجديد، وهذا أمر طبيعي ومتعارف عليه الآن، حيث لم يعد شرطا لتأسيس اتحاد بين الدول أن تكون متجاورة جغرافيا، وخاصة الاتحادات الاقتصادية، .

وكثيرا ما نسمع عن مناطق تجارة حرة بين دولتين أو أكثر تفصلهما قارات ومسافات بآلاف الأميال، وليس غريبا أن نسمع مؤخرا عن دول مثل نيوزلندا وبلجيكا ولوكسمبورج أبدت رغبتها في الانضمام للاتحاد الجمركي الثلاثي الذي يضم روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا، .

كما جرت منذ أيام في نهاية أبريل المنصرم مباحثات في كازاخستان بين هيئة الاتحاد الجمركي والجمعية الأوروبية للتجارة الحرة التي تضم سويسرا والنرويج وليختنشتاين وايسلاندا، جرى خلالها بحث إنشاء منطقة تجارة حرة بين المنظمتين المذكورتين من المفروض أن تشكل تكتلا اقتصاديا جمركيا في المستقبل.

كما عبرت دول أخرى مثل فيتنام ومنغوليا عن رغبتهما في التعاون مع الاتحاد الجمركي الثلاثي، وكذلك دول عربية مثل مصر وسوريا، حيث صرح رئيس الاتحاد الجمركي، مكسيم ميدفيدكوف أن مصر أبدت اهتماما بالانضمام إلى الاتحاد الجمركي القائم في الساحة السوفييتية سابقا أو إقامة منطقة تجارة حرة مع دول هذا الاتحاد.

لا شك أن روسيا ترحب كثيرا بتوسع الاتحاد الجمركي ليشمل دول عدة في العالم، بل أنها ترى أن هذا الاتحاد من الممكن أن يغنيها عن الانضمام لمنظمة التجارة الحرة التي تواجه روسيا صعوبات في الانضمام لها لاعتبارات سياسية بسبب اعتراض دولة صغيرة مثل جورجيا، .

ويرى العديد من الخبراء أن روسيا لن تستفيد من الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية بل سوف تتضرر لأن هذا سيوجه ضربة قاضية إلى القطاع الزراعي بروسيا. لذلك فإن هؤلاء يرحبون بموقف رئيس جورجيا سآكاشفيلي.

وليس هذا فقط، بل يقترح البعض إقامة تمثال له أمام مبنى الحكومة الروسية في موسكو في حالة استخدام جورجيا حق النقض (الفيتو) لمنع انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية.

Email