أفغانستان بين التعميرالروسي والتدمير الأميركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا ترى روسيا أي حل للمشاكل والصراعات القائمة في أفغانستان سوى تعمير هذا البلد وتنمية اقتصاده وإعطاء شعبه الحق أن يعيش مثل باقي شعوب العالم، ولهذا نرى أنه في الوقت الذي تعكف فيه واشنطن وحلف الناتو على دراسة الخطط الإستراتيجية والعسكرية القادمة في أفغانستان، نرى روسيا تطرح المبادرات الواحدة تلو الأخرى لتنمية اقتصاد هذا البلد، وقد صرح مسئول روسي مؤخرا بأن موسكو تدرس إمكانية تطوير علاقاتها التجارية والاقتصادية مع أفغانستان والعودة إلى سوق الطاقة الأفغانية، وبخاصة النفط والغاز والكهرباء. وتم لهذه الغاية تشكيل لجنة حكومية روسية أفغانية للإشراف على المشاريع المستقبلية المشتركة. وتدرس شركة «غازبروم» الروسية بناء خط أنابيب للغاز من تركمانستان عبر أفغانستان إلى باكستان والهند بطول إجمالي يبلغ ‬1600 كيلومتر وبطاقة إنتاجية تصل إلى ‬30 مليار متر مكعَّب سنويا. كما ستعمل روسيا على دعم مشروع بناء خطوط لنقل الكهرباء في أفغانستان وإعادة تأهيل قدرتها لتوليد الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى بناء العديد من مشاريع الطاقة الإستراتيجية هناك.

روسيا التي تعاني كثيرا من انتشار الإرهاب في وسط آسيا، ويموت فيها سنويا نحو ثلاثين ألف مواطن بسبب المخدرات المهربة من أفغانستان، لا ترى أي نية لدى واشنطن وحلف الناتو للإصلاح والتعمير في أفغانستان، حتى الحرب على المخدرات الأفغانية ترفضها واشنطن تماما بحجة واهية وهي أن المخدرات تشكل المصدر الرئيسي للرزق لقطاع كبير من الشعب الأفغاني، ولهذا لا يمكن حرق محاصيل المخدرات وحرمانهم من دخلها وإلا تحولوا جميعا لإرهابيين وانضموا لطالبان، هكذا تبرر واشنطن تسترها « الغامض » على زراعة وتجارة المخدرات في أفغانستان، وهي تعلم حسب تقارير الأمم المتحدة أن حصة أفغانستان وحدها من المخدرات في السوق العالمي تزيد عن نصف الموجود في السوق، ومع هذا لا تفكر واشنطن ولا حلف الناتو في اتخاذ خطوة حاسمة لإنقاذ العالم والبشرية من هذا الكم الهائل من السموم المدمرة، الأمر الذي يثير تساؤلات وجدلا واسعا حول الجهات المستفيدة من توزيع هذه المخدرات في العالم، خاصة إذا علمنا، حسب تقرير الأمم المتحدة أيضا، أن مخدرات أفغانستان تحقق دخلا سنويا يتجاوز السبعين مليار دولار، ولا يدخل للشعب الأفغاني منها سوى أقل من ربع مليار يتم توزيعها على كبار ملاك الأراضي والمسئولين، ولا يذهب للفلاحين الأفغان الفقراء أكثر من مليونين من الدولارات توزع على عشرات الآلاف من الأسر.

المخدرات هي المصدر الرئيسي لتمويل الإرهاب، هكذا تقول واشنطن ولا تفعل شيئا لمنع هذا التمويل، وحتى الآن تجاوز الإنفاق الأميركي على العمليات العسكرية في أفغانستان أكثر من مائة مليار دولار، هذه الأموال لو كان تم توجيهها منذ البداية للتعمير والبناء ما كنا نرى في أفغانستان الآن حروب ولا نزاعات ولا إرهابا، وقد كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في شهر يونيو من العام الماضي نقلا عن مصدر من وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» تقول إن كميات كبيرة من المعادن تقدر قيمتها بتريليون دولار تم اكتشافها في أفغانستان، وإن الجيولوجيين الأميركيين اكتشفوا هذه المناجم بما فيها مناجم للذهب، وذلك باستخدام خرائط قديمة كان الجيولوجيون السوفييت قد أعدوها، ولم تستبعد الصحيفة إمكانية أن تجعل هذه الاكتشافات أفغانستان واحدة من الدول المزدهرة، وأسمتها «سعودية الليثيوم» بالإشارة إلى الاحتياطيات الكبيرة لمعدن الليثيوم والتي تتوافر في أفغانستان بشكل يماثل توافر النفط في السعودية.

الخبر تناولته وسائل الإعلام العالمية ونشرته وفق خطة إعلامية محكمة وجعلت منه الخبر الأول في نشرات الأخبار وصفحات الصحف في معظم بلدان العالم، ومضت الأيام ولم تعلن الإدارة الأميركية عن أية خطط أو نوايا عمل تجاه هذا الاكتشاف الكبير، والحقيقة أنه ليس اكتشافا ولا كبيرا، بل هي معلومات قديمة تضمنتها تقارير لعلماء جيولوجيين روس، وهو ما ذكرته الدوائر الأميركية بالفعل، لكن ما لم تذكره هو أن العلماء الروس، وأيضا علماء وخبراء التنقيب عن المعادن والثروات الطبيعية في العديد من بلدان العالم لا يعطون أية قيمة تذكر لهذه الجبال الممتلئة بالثروات المعدنية، نظرا لصعوبة، وربما استحالة التنقيب هناك بسبب الصراعات والحالة الأمنية المتوترة دائما هناك، الخبر الذي أطلقته وزارة الدفاع الأميركية ربما يكون له تأثير عابر وسطحي على الشعب الأميركي، لكنه بالقطع غير مقنع للجهات المختصة، بدليل أنه لم يحدث أية تأثيرات تذكر على الأسعار في أسواق المعادن العالمية، الأمر كما يقول المحلل الأفغاني فريد أحمد زاي أن الهدف من إعلان اكتشاف كميات كبيرة من المعادن في أفغانستان ليس السعي لاستخراج هذه المعادن بل هو توفير الذريعة لبقاء القوات الأميركية في هذا البلد.

Email