الأمن النووي في ذكرى تشيرنوبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

تأتي الذكرى الخامسة والعشرين لكارثة محطة «تشيرنوبل» الكهرذرية التي تعد أكبر كارثة نووية حتى الآن، لتواكب أحداث كارثة محطة فوكوشيما اليابانية التي أصابها الزلزال وإعصار تسونامي في الحادي عشر من مارس الماضي، الأمر الذي أعطى أهمية خاصة لهذه الذكرى، خاصة بعد ما تردد من أنباء حول كارثة فوكوشيما وما قيل أنها لا تقل عن كارثة تشيرنوبل.

وقعت كارثة مفاعل تشيرنوبيل في جمهورية أوكرانيا (السوفييتية آنذاك) يوم السبت ‬26 أبريل من عام ‬1986 حيث كان ما يقرب من ‬200 موظف يعملون في مفاعل الطاقة النووي في المحطة بينما كان يتم إجراء التجربة في الوحدة الرابعة التي وقع فيها الانفجار، وقد وقع الانفجار على أثر خلل بأحد المولدات التوربينية بالمحطة، وقد لقى ‬36 شخصاً مصرعهم في الحادث وأصيب أكثر من ‬2000 شخص، وأسفرت الكارثة عن انبعاث كمية كبيرة من المواد المشعة إلى الغلاف الجوي وحدوث تلوث إشعاعي في ‬19 إقليما يبلغ عدد سكانها نحو ‬30 مليون شخص. وشارك في المرحلة الأولى من إزالة آثار الكارثة في المنطقة المحيطة بمحطة «تشيرنوبل» أكثر من ‬10 آلاف مواطن سوفيتي. وعمل نحو ‬250 ألف عامل في منطقة مداها ‬30 كيلومترا حول المحطة خلال السنوات الثلاث الأولى بعد وقوع الكارثة، والذي أدى إلى وفاة عدد كبير في السنوات التالية متأثرين بالإشعاع.

في هذه المناسبة قرر الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف التوجه إلى أوكرانيا لإحياء ذكرى هذه المأساة، وليؤكد أن روسيا مازالت متمسكة بالتزاماتها تجاه تداعيات الكارثة وأنها ستواصل تعاونها مع أوكرانيا لإزالة عواقب الكارثة في محطة تشيرنول.

مأساة تشرنوبل ضاعت معالم كثيرة فيها وشابها الغموض بسبب الصراع السياسي الذي كان دائرا بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، ففي الوقت الذي اعترف فيه الاتحاد السوفيتي في وقتها بوقوع الكارثة ذهب الإعلام الغربي ليضخم من حجم تداعياتها بشكل مبالغ فيه في إطار الحرب الباردة، وفي ظل هذا الصراع السياسي بين المعسكرين لم يكن لكارثة تشيرنوبل تأثيرا مباشرا على أسواق الطاقة النووية، حيث لم تكن التكنولوجيا النووية السوفيتية منتشرة في العالم، واستخدم الغرب الحادثة بشكل سيء النية للترويج للتكنولوجيا النووية الغربية، وكان لهذا الأمر بالغ ألثر السلبي على تطور التكنولوجيا النووية في العالم.

حيث لم تبذل جهود دولية تذكر لدراسة أسباب وتداعيات كارثة تشيرنوبل، ولم تفكر أية جهة غربية في الاستفادة من هذه الكارثة لتطوير تكنولوجيتها النووية في مجال الأمن النووي، لقد كان كل ما يهم الغرب آنذاك هو الدعاية السياسية المضادة للاتحاد السوفييتي وتشويه سمعة التكنولوجيا النووية السوفيتية لضربها في السواق، وظلت هذه السياسة سائدة حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ولسنوات طويلة، حتى جاءت كارثة محطة فوكوشيما اليابانية التي يؤكد الخبراء أن السبب فيها ليس فقط الكوارث الطبيعية التي وقعت ولكن أيضا ضعف مستوى تأمين المحطة ضد التسريب الإشعاعي النووي، لهذا السبب جاء الاهتمام الروسي بإحياء ذكرى كارثة تشيرنوبل هذا العام لتعلن روسيا عن مبادرة جديدة لديها بشأن رفع مستوى الأمان في المحطات النووية لإنتاج الكهرباء.

وقال الرئيس ميدفيديف أنه سيطرح هذه المبادرة خلال اجتماع قادة دول مجموعة الثماني في شهر مايو المقبل، وأوضح الرئيس الروسي أن المبادرة المنتظرة ستنص على زيادة مسؤولية الدول التي تستخدم الطاقة النووية وتنشئ المحطات النووية لإنتاج الكهرباء وتقوم بتشغيلها، داعيا إلى ضرورة جعل شروط الأمان التي ستقترحها روسيا فرضا وإلزاما على جميع الدول، وتنص المبادرة الروسية على وضع نظام التنسيق والتعاون بين حكومات وشركات تشغّل المحطات الكهروذرية ومؤسسات مراقبة عند حدوث طوارئ هناك، وأيضا إدخال تعديلات في المعاهدات الراهنة وميثاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أساس هذه المبادرة.

كما تنص المبادرة على إقرار مبدأ مسؤولية الدول المستخدمة للطاقة الذرية عن ضمانات أمنية في منشآتها النووية على مستوى يتناسب مع معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووضع خطط عمل في الحالات الطارئة المتعلقة بتشغيل المحطات الكهروذرية، وإلزام الدول التي تنوي بناء منشآت نووية جديدة على تطوير بنية تحتية حسب توصيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمشاركة الجهات التي تقوم بتوريد الأجهزة لتلك المنشآت.

إضافة إلى ذلك، اقترحت روسيا وضع المزيد من الشروط الأمنية لبناء المحطات الكهروذرية في المناطق المهددة بوقوع زلازل أو كوارث طبيعية أخرى، ولتقديم معلومات لازمة عن الكوارث فيها للوكالة الدولية للطاقة الذرية حسب مستوى خطورتها وفق مقياس الوكالة.

Email