الخليج المجتمع الفاضل

ت + ت - الحجم الطبيعي

كل دول الخليج العربية تعمل بجدية وبخطوات حثيثة لإقامة مجتمع مدني بين ظهرانيها، وعلى رأس هذه الدول وبصفة متميزة، دولة الإمارات العربية المتحدة.. وفي رأيي أن هذا العمل هو سمة من سمات الديمقراطية التي يطالب بها دعاة الليبرالية، إذ ان الديمقراطية ليست فقط في مظاهر الانتخابات وقيام المجالس التشريعية والنيابية.. فما الفائدة أن يكون لنا مجلس وانتخابات برلمانية، والناس بحاجة إلى العيش الكريم، البعيد عن آفة الفقر، والجهل، والمرض، التي تغطي مناطق كثيرة في الشرق الأوسط قامت أنظمة الحكم فيها على أساس من الادعائية بالثورية، وقيام نظام جاء ليكحلها فأعماها، عمى يستعصى علاجه.. وما الفائدة أن نغلِّف حياتنا بأغلفة نسميها الديمقراطية، ونلبس أثواباً نقلِّد بها الآخرين، ويكون هناك تفاوت بين الناس، ويفتقد المجتمع المساواة والعدالة الاجتماعية، التي يتطلبها المجتمع المدني الحديث..

 ومن الملاحظ أن هذه الآفات، آفات التخلف الاجتماعي، التي تعاني منها مناطق أخرى من حولنا خارج الحوض الخليجي العربي، والتي تتسبب على الدوام في حدوث اضطرابات في هذه المناطق لعجز أنظمتها عن مجابهة تبعاتها، هذه الآفات ليست موجودة بشكل يثير القلق في دول الخليج العربية، حيث استطاعت هذه الدول خلال ربع القرن الأخير أن تجابه هذه الآفات وتحاصرها، بحيث جعلتها تتراجع تراجعاً ملحوظاً يستدعي الإنصاف أن يشاد بجهود دولها، وما بذلته في سبيل هذه المجابهة..

وإذا أخذنا الإمارات العربية المتحدة نموذجاً للتقييم والمقارنة، فنجد أن الإمارات قد حققت في فترة وجيزة ما لم تستطع دول متقدمة ومتطورة أن تحققه خلال عشرات السنين.. وقد استطاعت الإمارات شأنها شأن عدد من دول التعاون الخليجي، أن تحقق لشعوبها جانباً كبيراً ومهماً من متطلبات الديمقراطية، التي لا تنحصر كما قلنا في المجالس النيابية والانتخابات العامة، وذلك من خلال توفير التعليم الجيد، والخدمات الصحية الجيدة، والإسكان الجيد، والوظيفة المناسبة الجيدة، والمساعدات الاجتماعية الأسرية الجيدة، والتلاحم المجتمعي الجيد، في جو فيه التعددية وقبول الآخر، بالإضافة إلى بنى تحتية عالية الجودة قد تصل بجودتها إلى مستوى أفضل من كثيرٍ من دول العالم المتقدمة، بالإضافة إلى التشريعات التي تكفل للإنسان الحرية الاجتماعية والاقتصادية والتكافل الاجتماعي..

وإذا نظرنا إلى هذه الإنجازات التي ذكرنا طرفاً منها، فإن الإنصاف يقتضي أن نشير إليها ونضعها موضع الإشادة قبل الحديث عن الديمقراطية، التي لا يستقيم أمرها إلا إذا توفرت للناس هذه المنجزات التي حققتها الأنظمة الخليجية..

إذن، المجتمع الخليجي يحقق ذاتياً متطلبات العيش الكريم للمواطن وللمقيم بين ظهرانيه، وما لم يتحقق اليوم سوف يأتي دوره عاجلاً أم آجلاً في ظل الاستقرار السياسي الذي ننعم به، وقد يتأخر هذا الدور ويصاب بالتراخي إذا لم نقم بتقدير هذه النعمة، نعمة الأمن والأمان التي أفاء الله بها علينا..

ومن يستعيد التاريخ في ذاكرته، يجد أن الخطوات الإصلاحية في كل المجالات، تسير سيراً مرضياً في دول الخليج خلال فترة لا تزيد عن نصف قرن مضى، وكانت النظرة إلى هذه المناطق من قبل الراديكالية العربية أنها مناطق متخلفة، باعتبار أنها حاولت أن تنأى بنفسها عن الشعارات والصدامات السياسية، وأثبتت الأيام أن الراديكالية لم تكن على خطأ في تقديرها فحسب، بل جرّت لبلدانها ويلات التخلُّف والتقاعس عن السير في الركب الحضاري المتقدم..

وعندما يسافر أحدنا اليوم ويزور بلداناً كنا نظن أنها في مقدمة الركب، نجد أن المقارنة بينها وبين المناطق الخليجية العربية أصبحت غير واردة، وأن هذه المناطق الخليجية العربية قد تقدمت في مناحٍ كثيرة تقدماً لم تستطع دول غيرها أن تجاريه، وذلك بسبب الأنظمة السياسية المستقرة، وبسبب التغيير المتدرج والمدروس، والبعيد عن الهيجان السياسي التنظيري..

Email