روسيا ومستقبل التكنولوجيا النووية

ت + ت - الحجم الطبيعي

على ما يبدو أن تداعيات الزلازل والفيضانات التي شهدتها اليابان أكبر بكثير من التقديرات المتوقعة، خاصة تداعيات محطة الطاقة النووية فوكوشيما التي يقدرها الخبراء على مستوى الكوارث الكبيرة، كما أن تداعيات هذه الكارثة التي قدرها الخبراء على مستوى كارثة مفاعل تشيرنوبل في أوكرانيا عام ‬1985 مازالت تتوالى وخاصة في قطاع الصناعات النووية السلمية، وقد تحدثنا في مقالنا السابق عن تأثير حادثة المحطة اليابانية على أسواق الطاقة النووية العالمية، حيث يتوقع الكثيرون أن يكون للحادث تأثير كبير على الأسواق، حيث يتوقع البعض أن تعدل الكثير من الدول عن مشاريع بناء محطات نووية والاستعاضة عنها بمصادر أخرى للطاقة، وتمتد تداعيات الحادث لتشمل أيضاً الدول المصنعة للتكنولوجيا النووية، فقد بدأت بعض الدول تعيد تفكيرها وحساباتها حول جدوى الاستمرار في تطوير هذه الصناعة إلى المستوى الذي يمكن معه جعلها صناعة آمنة بلا مخاطر، علما بأن الطاقة النووية تعد أقل أنواع الطاقة ضررا للبيئة، حيث تنعدم تأثيراتها بشكل كبير على البيئة، ولكن تبقى خطورتها في حالة الكوارث تشكل رعبا كبيرا للبشرية وللمجتمعات.

الآن، وبالتحديد بعد كارثة محطة فوكوشيما اليابانية، بدأ الجدل يدور في العالم حول جدوى الاستمرار في صناعة بناء المحطات الكهربائية النووية، وقد أعلنت بالفعل بعض الدول على اثر هذه الكارثة عن امتناعها عن تطوير صناعة الطاقة النووية لديها، ومنها تايلاند وإسرائيل وفنزويلا والنرويج، فيما أوقفت دول أخرى مثل بريطانيا وسويسرا وألمانيا واليابان برامج تطوير قطاع الطاقة النووية، وقد ساعد على ذلك تفاقم الأزمات المالية والاقتصادية في هذه البلدان، إلى جانب الخسائر الفادحة التي منيت بها اليابان من جراء الزلازل والفيضانات الأخيرة، والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات.

أما روسيا التي تخوض منذ سنوات منافسة حادة في أسواق الطاقة النووية فقد دخلت ضمن قائمة الدول الـ‬25 التي قررت مواصلة تطوير صناعة الطاقة النووية، وعلى ما يبدو أن الأمر أصبح ملحا وبشكل عاجل للشركات الروسية التي تريد أن تكسب الأسواق التي ستهجرها الدول الأخرى المنافسة، وفي نفس الوقت تريد أن تطمئن العالم على هذه الصناعة التي تعتبرها روسيا من أعمدة اقتصادها القومي.

لقد بدأت بالفعل الشركات الروسية على اثر حادثة محطة فوكوشيما اليابانية في العمل بجدية على المشاكل ونقاط الضعف الأمنية في محطات الطاقة النووية، وأظهرت اختبارات أجرتها مؤسسة الطاقة الروسية «روس آتوم» على ‬32 مفاعلا كهرذريا في روسيا، أن جميع تلك المفاعلات تتماشى مع المعايير المطلوبة، وهذه النتيجة كانت متوقعة لأن المحطات الكهرذرية الروسية تخضع لاختبارات دورية، ورغم النتائج الإيجابية لما يسمى بـ«اختبارات الإجهاد» والتي خضعت لها المحطات العاملة فإن روسيا مستمرة في دراسة مدى قوة تحمل هذه المحطات عن طريق اختبارات الإجهاد التي ستتعرض معها المحطات لمستويات من الضغط والاهتزازات والحرارة أعلى من المعدلات المعتادة، والفحوصات الإضافية ستجري في الساحة التي تتموضع عليها هذه المحطات لمعرفة مستوى النشاط الزلزالي فيها، وعند الضرورة سيتم اتخاذ التدابير الضرورية، حتى لو تطلب الأمر إيقاف عمل المفاعلات.

وأعلنت شركة روس أتوم الروسية لصناعات الطاقة النووية أنه سيتم في الأشهر الستة المقبلة تجهيز المحطات الكهرذرية في روسيا بمولدات ديزل للحالات الطارئة، ومضخات ماء تعمل على الديزل وكميات ماء احتياطية وغيرها من السوائل اللازمة في الحالات الطارئة، كما سيشرع مصممو المحطات الكهرذرية بالعمل خلال الأشهر الستة المقبلة أيضاً على تغيير تصاميم البناء لدى إنشاء محطات كهرذرية جديدة، وصرحت الشركة بأنه على المدى الطويل سينتقل خبراء «روس آتوم» إلى استخدام طاقة نووية مغايرة من حيث المبدأ تعمل وفق دورة وقود مغلقة.

كل هذه الجهود والعمل الدؤوب وتكلفته العالية يعكس مدى تصميم روسيا على الريادة في أسواق الطاقة العالمية، هذه الريادة التي يمكن تحقيقها إذا ما نجحت صناعة الطاقة النووية الروسية في طمأنة الدول والشعوب حول استخدامات هذه الطاقة، هذه الطمأنة التي لا تتأتى إلا بتوفير ضمانات أمنية كافية يمكن معها تفادي وتجنب الكوارث الكبيرة التي تحدثها أعطال وانفجارات هذه المحطات.

ولاشك أن ما ستنفقه روسيا على هذه الإجراءات والأبحاث سيكون له مردوده في مبيعات وبناء المحطات النووية في الدول الأخرى، خاصة وأن مؤسسة الطاقة الذرية الروسية «روس آتوم» تتطلع في العام ‬2011 إلى زيادة عدد الطلبيات الخارجية على خدماتها إلى ‬30 مليار دولار، وفق ما ذكره سيرغي كيريينكو، رئيس «روس آتوم».

 

Email