وسائل الإعلام وثورة التسويق

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنت أجلس في غرفتي بالفندق ذات ليلة، عندما سمعت صوتاً في أحد الإعلانات يقول: «الملايين من الناس، الجميع يخرجون من أجل متعتهم.. فهل هذا حقاً هو السبيل الوحيد؟» لا يتواصل الإعلان، «هنا الشرف.. والشهامة». ثم نرى صوراً لأناس يفعلون الصواب، يساعدون أحد الأشخاص في دفع سيارته المتوقفة،، ورجال إطفاء مرهقين بعد عملية إطفاء حريق. ومضى صوت الإعلان يقول: «إننا هنا لفعل الشيء الصحيح»، ومن أجل «المعنى الحقيقي للثروة».

إنه إعلان مثير للاهتمام. ويعتبر جزءاً من الاتجاه الأكثر أهمية في عالم التسويق، ألا وهو الاعتراف من قبل الشركات بأن هناك المزيد مما يمكن قوله لمخاطبة أفضل الغرائز لدى المستهلكين.

وليس من قبيل المصادفة أن هذا الاتجاه آخذ في التصاعد في الوقت الذي برزت وسائل الاعلام الاجتماعية إلى الواجهة في عالمي التسويق والتأثير في الأحداث.

كان التسويق دائماً أكثر فاعلية عندما يأخذ الأفكار المطروحة ويبلورها، بحيث يتردد صداها معنا بطرق غالباً ما تتجاوز إدراكنا الواعي. وهذا الأمر بالغ القوة في ما يتعلق بمزيج وسائل الاعلام الاجتماعية والتسويق وفعل الشيء الصائب.

يحدد «منتدى تسويق القضايا» التسويق الاجتماعي بأنه «النشاط التجاري الذي يربط الشركة أو العلامة التجارية بقضية لتوليد الأعمال التجارية والمنافع الاجتماعية». بطبيعة الحال.

فإن فكرة تسويق القضايا ليست بالأمر الجديد. كما يشير المنتدى، فقد جاءت لحظة حاسمة في تسويق القضايا الحديث في عام ‬1976، عندما تحالفت مؤسسة ماريوت مع شركة «مارش أوف دايمز» من أجل زيادة التبرعات بنسبة ‬40 ٪، في حين يتم إطلاق يوم افتتاح قياسي لحديقة «غريت أميركا» التابعة لمؤسسة ماريوت.

ولكن الأمر اقتضى ثورة وسائل الإعلام الاجتماعية لجعل تسويق القضايا يصيبه الهلاك حقاً. المكوّن الأول، لا شك أنه المكون الذي يجتذب أي رئيس تسويق الآن يستحق التقدير، يتمثل في أن وسائل الإعلام الاجتماعية تسمح للأشخاص ذوي التفكير المتشابه بأن يتواصلوا.

وكما يكتب «أشلي براون» في موقع «ماشابل»: «إن الرسائل هي الأكثر تواصلاً بشكل ناجح مع الجماهير التي التحمت بالفعل حول روابط مشتركة» ولهذا السبب، وفقاً لـ«سوزان غانلياس» من موقع «إنتربرنير.كوم»، فإن واحداً من الاتجاهات العشرة الكبرى في مجال التسويق لعام ‬2011 هي وسائل الاعلام الاجتماعية التي تجذب المزيد من دولارات الدعاية والتسويق على حساب وسائل تقليدية مثل الإذاعة والطباعة.

ولكن ها هو جوهر الأمر، وهو أنه بينما ترغب الشركات في استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية لأنها توفر المزيد من التواصل لها، فإنها تتطلب شيئاً أكثر من الشركات التي تدخل عالم الفضاء الاجتماعي.

إنه مسار ذو اتجاهين، حيث إن وسائل الإعلام الاجتماعية تسلط الضوء على الأصالة والقيم في أي شركة تخوض فيها.

هناك حد أعلى بكثير في التعامل مع وسائل الإعلام الاجتماعية، ولم يعد بمقدور شركة ما الاختباء بسهولة وراء حملة دعاية لامعة ومصورة بكلفة باهظة. وفي إحدى جلسات المنتدى، قال «آدم باين»، رئيس موقع «تويتر» بشأن الإيرادات العالمية، حضرنا مؤتمراً لسوني أخيراً  والذي خلص إلى أن أفضل ثلاث طرق لتحويل أي منتج إلى الربحية تتمثل في الدعابة والصفقات الضخمة والجانب الإنساني.

فلو تم التركيز على الآن على الإنساني باعتباره ليس جيداً بالنسبة للبشرية ولكن أيضاً بالنسبة للإيرادات، فهذ صفقة كبرى! واعتبرت الدعابة دائماً طريقاً مختصراً إلى إنسانيتنا.

الاتجاه آخذ في الانتشار. قام بنك «ويسترن يونيون» برعاية انتاج فيلم وثائقي بعنوان «للحصول على دولار»، الذي يحكي قصة محمد يونس الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد.

فقد نجح بنك غرامين، التي أسسه في بنغلاديش، في انتشال الناس من براثن الفقر من خلال القروض الصغيرة.

تدور قصة الفيلم حول كيفية جلب فكرته إلى الولايات المتحدة لمساعدة العائلات الأميركية التي تصارع الفقر.

أما شركة «ستاربكس»، فمن أجل الاحتفال بالذكرى السنوية الأربعين لتأسيسها، تنضم إلى المنظمات غير الربحية لجعل أبريل شهراً للخدمة، مع التركيز على البرامج التي تخدم البيئة والشباب. وهدفها من ذلك هو تخصيص ‬200 ألف ساعة للخدمة والتي تعادل، وفق تقديرات شبكة «هاندزأون»، ما يزيد على ‬4 ملايين دولار، وتساوي مئة شخص يعملون ‬40 ساعة في الأسبوع لمدة عام.

ومن خلال الجمع بين الفكاهة والجانب الإنساني في الدعاية، فقد قام جيمي فالون وستيفن كولبرت منتجا فيلم «أفضل أصدقاء للأبد» لستة أشهر بجمع تبرعات تقدر بما يزيد على ‬50 ألف دولار في غضون أيام قليلة لصالح مؤسسة «دونرز تشوز» وهي جمعية خيرية على الانترنت تربط الجهات المانحة بمناطق المدارس غير المميزة في أنحاء البلاد.

يؤثر التسويق قضايا على الآليات التي يتم من خلالها إنجاز التسويق، فقد تبنى مجلس المديرين التنفيذيين للتسويق برنامجاً يسمى «وقفة لدعم قضية»، الذي يقوم من خلاله المشاركون في استطلاعات التسويق بالتبرع بجزء أو كامل الأجر الذي يتقاضونه لصالح المؤسسات غير الربحية، وهناك ما يزيد على ‬200 جمعية خيرية قامت بالتسجيل، بما في ذلك الصليب الأحمر الأميركي.

هذه هي البداية فقط. والآن، يقتصر الأمر على الرواد في هذا المجال، ولكن كما هو واضح أن فعل الخير هو أمر طيب للأعمال التجارية، والمزيد من الشركات واثقة من الانضمام.

ومن ثم فسوف تأتي نقطة تحول، عندما لم يعد بمقدور الشركات تحمل أنها ليست لديها بعض عناصر تسويق القضايا كجزء رئيسي من الدعاية وميزانياتها للتسويق.

Email