كارثة فوكوشيما وسوق الطاقة النووية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أخيراً، وبعد صمت طويل أعلنت اليابان صراحة عن مستوى الخطر والضرر في محطاتها النووية من جراء الكوارث الطبيعية التي شهدتها مؤخرا، فقد رفعت اليابان مستوى حادث محطة فوكوشيما إلى أقصى حد.

 

ليكون بمستوى خطورة كارثة محطة تشيرنوبل الأوكرانية، التي كانت الأسوأ في تاريخ الطاقة النووية المدنية، ومازالت دول عديدة، منها روسيا والصين تحث اليابان على تقديم معلومات أفضل عن كارثتها النووية.

 

وتعد محطة فوكوشيما واحدة من أكبر ‬25 محطة للطاقة النووية في العالم. وهي أول محطة نووية يتم بناؤها وتشغيلها بالكامل من قبل شركة طوكيو للطاقة الكهربائية.

 

ما حدث في اليابان له بالقطع تداعياته الكثيرة، ليست فقط البيئية والكارثية، ولكن أيضا الاقتصادية والتجارية، حيث يتوقع الكثيرون أن يكون لحادث المحطة النووية اليابانية تأثير كبير على أسواق الطاقة النووية العالمية.

 

حيث يتوقع البعض أن تعدل الكثير من الدول عن مشاريع بناء محطات نووية، والاستعاضة عنها بمصادر أخرى للطاقة، ولكن البعض يرى أن هذا أمر غير واقعي؛ لأن في حالة اليابان ليست المشكلة في المحطة النووية نفسها، بل في قوى الطبيعة من زلازل وفياضانات،.

 

وبالتالي فالأمر نسبي ويختلف لدى الدول حسب نسبة تعرضها لهذه الكوارث الطبيعية، ولكن تأثير الكارثة في اليابان على سوق التكنولوجيا النووية العالمية ممكن أن يتأتى بشكل آخر،.

 

حيث ستسعى الدول للبحث عن الشركات التي تعطي أكبر قدر من الضمانات الأمنية، حيث يعتقد الخبراء أن المحطة اليابانية فوكوشيما لم تكن على المستوى المطلوب من الضمانات الأمنية،.

 

حيث إنه من المعروف عند بنائها أنها في منطقة حزام زلازل نشيط للغاية، ومن المؤكد أن عملية البناء وضعت احتمالات الزلازل بهذا المستوى ولم تغفلها، بدليل أن هيكل جسم المحطة النووية بقى كما هو لم ينهار،.

 

إذا ليس العيب من الزلزال بقدر ما هناك عوامل مساعدة أخرى فنية وتقنية أدت لوقوع الكارثة، فما هي هذه العوامل؟

 

لا أحد يعرف حتى الآن، والسلطات اليابانية رفضت تماماً اقتراب خبراء أجانب من المحطة بعد تأثرها بالكارثة.

 

وقد طلب وفد من الخبراء الروس فحص المحطة، ورفضت السلطات طلبهم؛ مما جعل البعض يشك في وجود أسرار فنية وتقنية لا تريد الجهات اليابانية الكشف عنها؛ ولهذا طالبت روسيا والصين من اليابان أن تتوخى الشفافية حول ما يحيط بمحطة فوكوشيما،.

 

ولكن ربما تكون هناك جهات في اليابان لا تهمها تداعيات الكارثة، بقدر ما تهمها سمعة التكنولوجيا النووية اليابانية في السوق العالمية.

 

لاشك أن الطاقة النووية التي بدأت تثير نزاعات دولية متصاعدة، تتحول لتصبح إحدى أهم وسائل الطاقة خلال المرحلة القادمة في تاريخ البشرية، ويمكن القول:

 

إن الجانب الأكثر أهمية في النزاعات الدولية لا يقتصر على ضمان استخدام هذه الطاقة في الأغراض السلمية، وإنما بسبب ما توفره الطاقة النووية من قدرات وإمكانات هائلة لاقتصاديات البلدان التي تتحول للاعتماد عليها.

 

لقد أصبح الاقتصاد العالمي يعتمد كثيراً على صناعة الطاقة الذرية، ويتنامى اعتقاد لدى العديد من الباحثين أن الطاقة النووية هي الوحيدة قادرة على تلبية الاحتياجات المتنامية بشكل سريع للبشرية،.

 

بل إن حياة الإنسان ورفاهيته باتت مرتبطة باستهلاك كميات هائلة من الطاقة، ما يفرض على الكثير من البلدان الانتقال لاستخدام الطاقة الذرية باعتبارها الأرخص والأكثر إمداداً للطاقة.

 

وتعتبر روسيا من بين أكبر خمس دول منتجة للطاقة النووية، إذ يستخدم أكثر من ‬15 بالمائة من المفاعلات الذرية في العالم الوقود النووى الروسي.

 

ومن المتوقع أن تزداد هذه الأرقام، مع إقبال العديد من الحكومات على تشييد مفاعلاتها الذرية، هربا من ارتفاع أسعار النفط والغاز. هذا الوضع لابد وأن يؤدى لاحتدام الصراع الدولي على محورين أساسين:

 

‬1 ــ محاولة الإبقاء على النفط والغاز كمصادر أساسية للطاقة، ليس فقط لإنهاك اقتصاديات الدول النامية، وإنما للتحكم في قدراتها الصناعية. إضافة للاستفادة بهما في زيادة أرباح وعائدات الاحتكارات المتعددة الجنسية.

 

‬2 ــ نهوض قطاع الطاقة النووية في مجال الأغراض السلمية سيفتح آفاقاً واسعة أمام اقتصاديات وصناعات الدول النامية.

 

بل وقد يمكنها من الاقتراب من اقتصاديات الدول الغنية. ما سيخفف من هيمنة الاحتكارات متعددة الجنسية على اقتصاديات هذه الدول.

 

ومنذ أعوام عدة حددت موسكو استراتيجية لغزو أسواق الطاقة الذرية العالمية.

 

ويمكن اعتبار ذلك من أهم الدوافع التي تجعل الإدارة الأميركية تخوض حرباً ضروساً لإزاحة روسيا عبر تفجير البرنامج النووي الإيراني، باعتبار أنه من أهم مرتكزات توسع النفوذ الروسي في أسواق الطاقة الذرية.

 

ويمكن القول بأن الاتفاقيات الأخيرة التي تم التوصل إليها بين روسيا وأوكرانيا، والخاصة بدمج قطاعي صناعة الطاقة النووية في روسيا وأوكرانيا، ستشكل نقلة نوعية للطرفين؛ لأنه سيضمن توفير الطاقة لأوكرانيا، وسيدعم نفوذ روسيا في الأسواق العالمية.

 

السرية التي أحاطت بها اليابان أضرار محطة فوكوشيما من جراء الزلزال وفيضان تسونامي، لاشك سيكون لها تأثير كبير على سمعة التكنولوجيا النووية اليابانية في العالم.

 

علماً بأن اليابان من أكبر خمس دول منتجة للتكنولوجيا النووية، وهي منافس قوي لروسيا وغيرها في السوق العالمية.

 

ولهذا يرى الخبراء أن تركيز شركات صناعة التكنولوجيا النووية العالمية في الفترة القادمة سيكون على الضمانات الأمنية، أكثر منه على حجم الإنتاج وكميات الوقود وغيرها من الجوانب الأخرى، وهذه فرصة كبيرة للشركات الروسية التي تقدم أفضل الضمانات الأمنية للمحطات النووية بشهادة جهات دولية كثيرة.

Email