ألاعيب إسرائيل لا تخفى على موسكو

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثارت زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو الكثير من التساؤلات حول أهدافها وأبعادها، خاصة انها جاءت في أعقاب مباحثات أجرتها موسكو مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

وذهبت تحليلات المراقبين والخبراء إلى العديد من الملفات الساخنة والحيوية، واعتقد فريق من المحللين أن إسرائيل بدأت تجري مراجعة شاملة لسياساتها في الشرق الأوسط والعالم على ضوء التغييرات الجذرية الواسعة التي تشهدها الدول العربية المجاورة لها. واستندوا في رؤيتهم إلى تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية التي اعتبر فيها أن الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط «زلزال» تعيشه دول المشرق العربي، يمكن أن يفرز أنظمة تهدد أمن إسرائيل. واعتقد البعض أن نتانياهو يبحث مع اقطاب المجتمع الدولي ومنها موسكو ملفات استراتيجية تتمحور حول سبل التعاطي مع منطقة الشرق الأوسط في ظل وجود أنظمة ديمقراطية ستكون مضطرة للتعامل مع المزاج الشعبي في البلدان العربية، والذي يحمل درجة من العداء لإسرائيل.

فيما رجح فريق اخر أن تكون لقاءات نتانياهو مع القيادة الروسية خطوة في إطار تدعيم وتطوير مشروع الشراكة الإستراتيجية الذي طرحه وزير خارجيته السوفييتي الأصل ليبرمان، باعتبار أن موسكو في المرحلة القادمة يمكن أن تكون البوابة الأكثر قبولا من واشنطن في التعامل مع دول الشرق الأوسط بعد أن فقدت الولايات المتحدة نفوذها خلال الشهور الماضية بسقوط ابرز أصدقائها.

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي خيب ظن المحللين والباحثين الذين اعتقدوا أن هذه الزيارة تحمل ملفات جادة ومعقدة، واقتصرت محادثات نتانياهو مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين والرئيس ميدفيدف على تجديد مطالب إسرائيل بعدم قيام روسيا بتوريد أسلحة ومعدات عسكرية إلى إيران باعتبار حكومة طهران تشكل الخطر الأكبر على أمن إسرائيل في الشرق الأوسط، كما طالب رئيس الحكومة الإسرائيلي روسيا بعدم تجهيز الجيش السوري بالمعدات والأسلحة، وخاصة صواريخ «ياخونت» مضادة للسفن الحربية والتي تصيب أهدافا عائمة على بعد ‬300 كيلومتر من البر والبحر.

لاشك أن قلق إسرائيل يقوم على أرضية غير صائبة، انطلاقا من قناعة تل آبيب بأن المد الإيراني يمكن أن يؤثر على ثورات المشرق والمغرب العربي. لكن حقيقة الأمر أن التغيرات التي بدأت تظهر في السياسة المصرية على سبيل المثال تجاه إسرائيل لا يمكن وصفها بذلك، وانما تعبر عن دبلوماسية مصرية جديدة تحاول حماية وتحقيق مصالح القاهرة، بدءا من توريد الغاز المصري لإسرائيل بالأسعار العالمية والحصول على عائدات للخزينة الحكومية تصل إلى أكثر من عشرة مليارات دولار، مرورا بعدم تصدير الدقيق الفاخر والقمح لإسرائيل بأسعار أقل من الكلفة في وقت تعاني فيه مصر من نقص مخزونها الإستراتيجي من القمح، وانتهاء بفك الحصار عن قطاع غزة. لا يمكن وصف هذه الإجراءات بأنها أركان سياسة معادية لإسرائيل وتهدد أمنها. إلا إذا كانت إسرائيل ترى أن «الحكومات المستقرة والمتقدمة» التي يجب أن تكون، تلك التي تقدم لها المساعدات والمعونات على حساب شعوبها، وتساند حملاتها العسكرية لذبح شعوب هذه الدول، وأي حكومات لا تلتزم بهذه السياسة تعتبر «معادية وتهدد العالم كله»!

لم نجد مرة واحدة في السياسة الإسرائيلية منطق احترام الطرف الاخر ومصالحه. وكانت دائما الحكومات المتعاقبة في تل آبيب لا تحترم الموقف الروسي الساعي إلى إقامة علاقات جيدة معها. وأصبحت ملجأ لخصوم الحكومة الروسية ورجال المافيا الهاربين من أحكام بالسجن في روسيا بسبب تورطهم في قضايا الفساد ونهب المال العام.

وتواصل إسرائيل حملاتها ضد روسيا بهدف إيقاف تعاونها العسكري مع دول المنطقة، والتي تصل إلى حد توجيه اتهامات كاذبة لروسيا بانتهاك المواثيق الدولية والاتفاقات الخاصة بتجارة الأسلحة والمعدات العسكرية. ناهيك عن عمليات الابتزاز التي تمارسها القيادات الإسرائيلية بحق الكرملين حول حقوق اليهود الروس وما تعتبره معاداة للسامية في روسيا، وكأن اليهود الروس جالية مستقلة وليسوا طائفة من مجموع طوائف الشعب الروسي المتعدد الأديان والقوميات. ولعل اليهود الروس يحظون بحضور في مختلف مجالات العمل داخل روسيا بشكل ليس له مثيل في أوروبا الغربية وربما في الولايات المتحدة. حيث تولى عدد منهم رئاسة الحكومة والعديد من المناصب الوزارية، ويتزعم البعض الاخر عدد من الحركات السياسية والكتل البرلمانية.

من الممكن أن تستخدم إسرائيل وسائلها المعروفة لإقناع واشنطن والأوروبيين بشكواها، لكنها من الصعب عليها في هذا الشأن خداع روسيا الخبيرة بسياسات إسرائيل منذ ستينات القرن الماضي، عندما كان الاتحاد السوفييتي الحليف الأول للفلسطينيين وللقضايا العربية.

 

Email