المجلس الوطني الاتحادي والمجلس المحلي صنوان

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الدولة ذات التركيبة الفيدرالية، كدولة الإمارات العربية المتحدة، تأتي المجالس المحلية، كالمجلس البلدي، أو مجلس المدينة، في الأهمية ذاتها التي يمثلها المجلس النيابي، أو مجلس الأمة، أو المجلس الوطني، إذا لم نقل إن المجلس البلدي أو مجلس المدينة أكثر أهمية في بلد كالإمارات، حيث كل إمارة تتمتع بإدارة شؤونها الداخلية بشيء من الحكم الذاتي، ويساهم حكامها كل على قدر ما يستطاع في تمويل جزء من مشروعاتها المحلية، أو البنى التحتية لهذه المشروعات الخدمية.. بجانب المشروعات الخدمية الاتحادية.

وهنا يقوم المجلس المحلي الذي يتكون من الأهالي (معينين أو منتخبين) بمعاونة الحاكم، وكذلك معاونة المؤسسات الفيدرالية في اقتراح المشروعات الخدمية اللازمة، والإشراف على تنفيذها من قبل الإدارة الخاصة بهذه المجالس المحلية التي تُسمى عادة «البلديات».

وتعتبر المجالس المحلية، البلديات وغيرها، القالب الذي يعد المواطنين للمشاركة في إدارة المجتمع، والوقوف على احتياجات الناس في معيشتهم اليومية كما قلنا، ولا تؤمَّن هذه المعيشة اليومية في المجالس التي يُقحم أعضاؤها أنفسَهم في السياسة، والأيديولوجيات التي تتبناها هذه الزمرة من الناس أو تلك.. والمجالس النيابية العامة، إن لم تستطع أن تحل المشكلات العالقة بين المواطنين وبين الدولة فيما يتعلق بمعيشة هذا المواطن، فإن مثل هذه المجالس، في رأيي، لا قيمة لها، ولا تعبِّر تعبيراً واقعياً عمّا يدور في أذهان الناس، وما يمس أدق الشؤون لحياة المجتمع اليومية.

وفي الإمارات العربية المتحدة بالذات، نحن بحاجة ماسة إلى تأسيس وتقوية المجالس المحلية في كل مدينة وفي كل قرية وفي كل مجتمع سكاني، قبل أن نفكر في اختيار عضو أو أعضاء لمجلس وطني عام.. وأهل هذه المدن وأهل هذه القرى، هم أدرى بما عندهم من شؤون وشجون، وهذه هي الفيدرالية الحقيقية، وهذا هو المبدأ الموضوعي لتحقيق مصالح المواطن فيما يتعلق بالمشاركة في الشأن العام، ومساعدة مؤسسات الدولة على أداء خدماتها العامة بتخطيط ويُسر وسهولة.

وليس من الضروري أن تأتي هذه المجالس ـ المجالس المحلية ـ عن طريق انتخاب عام من أهل الموضع الذي يقام فيه المجلس المحلي، بل يختار حاكم الإمارة عدداً من الأشخاص ممن يتوسم فيهم الخير من أهل ذلك الموضع، ويطلب أن يختاروا من بينهم عدداً لا يزيد على أحد عشر شخصاً ولا يقل عن السبعة، ويختار أعضاء المجلس بعد ذلك رئيساً لهم، يسمى رئيس البلدية أو رئيس المدينة، على أن لا يكون هذا موظفاً في الحكومة المحلية أو الدولة الاتحادية، وأن لا يكون منتمياً إلى أسرة حاكمة، لكي يستطيع أعضاء المجلس محاكمته أو عزله إذا أساء للوظيفة التي يشغلها.. ومن الضروري أن يكون التعيين خلال فترة انتقالية، ثم تتحول مجالس البلدية إلى مجالس منتخبة من قبل الناس.

وليس الذي نقدمه فيه شيء من غرابة الطرح.. فهناك سابقة حدثت في دبي، إذ قَبل المغفور له الشيخ راشد بن سعيد حاكم دبي الأسبق، في السبعينات من القرن الماضي، تأسيس مجلس عام يتكون من عدد من الأشخاص يزيد على ثلاثين شخصاً، وكان اختيار ثلاثين شخصاً مؤهلاً اجتماعياً ومعرفياً، ليس بالأمر الهيِّن في تلك الأيام.. وأوكل إلى هؤلاء اختيار أعضاء المجلس البلدي.. وكان أول مجلس مُنتخب أو شبه مُنتخب في تاريخ الإمارات العربية المتحدة.. وهناك بادرة حدثت في دبي وتتسم بالديمقراطية والليبرالية، وهي اختيار أعضاء المجلس البلدي أنفسهم لرئيسٍ من بينهم، وتم اختيار أول رئيس مختار من الناس لمجلس بلدية دبي عام ‬1957، وهو علي بن عبدالله العويس، الذي كان معروفاً كشخصية تجارية في دبي.. وقد توفي علي العويس ـ رحمه الله ـ عام ‬1964.

Email