كارثة اليابان ومسؤولية المجتمع الدولي

ت + ت - الحجم الطبيعي

إننا نرى الآن مجدداً مشكلة محلية تتحول إلى أزمة عالمية. تماماً كما كانت كاليفورنيا معقلاً لأزمة الرهون العقارية عالية المخاطر التي هزت الأسواق العالمية، فإن التسريبات الناتجة عن النفايات النووية في مفاعل فوكوشيما الياباني نتيجة الزلزال الذي ضرب البلاد مؤخراً، تشكل خطورة على الآخرين بعيداً تماماً عن حدود اليابان.

وتماماً كما اضطر المجتمع الدولي إلى التآزر للحيلولة دون تفشي أزمة الركود المالي في الاقتصاد العالمي، يتعين عليه أيضاً التدخل في اليابان لمنع تسميم الإشعاع لكوكب الأرض.

الموقف خطير. فإذا تداعت أحواض الوقود المستنفد التي تضم وقوداً مشعاً، من مفاعلات فوكوشيما نتيجة لتوابع زلزال جديدة أو من خلال التسخين المفرط، فسوف تنطلق كميات هائلة من المواد المشعة، سواء على شكل سائل أو غاز، متدفقة إلى البحر أو الهواء أو التربة التحتانية. ففي حالة ناقلة الاحتواء للمفاعل الثالث، ربما تتسرب مقادير كبيرة من البلاتينيوم. وفي هذه الحالة، فسوف يتحول جزء من اليابان إلى مكان غير مأهول بالسكان على نطاق واسع، وسوف ينتشر الإشعاع على امتداد العالم من خلال السلسلة الغذائية، أو من خلال الرياح وتيارات البحر.

وكما كانت الحال بالنسبة للمؤسسات المالية الأميركية التي أشعلت أزمة الرهن العقاري عالي المخاطر، فإن الأزمة النووية في اليابان نجمت بشكل كبير عن التخلي عن الحيطة لصالح تحقيق الأرباح. وعلى الرغم من معرفة ما يحول دون ذلك، فإن مفاعل فوكوشيما شيد في منطقة ساحلية معرضة لموجات تسونامي. الأسوأ من ذلك، أن ستة مفاعلات جمعت سوياً، مثل الرهون العقارية السامة، مستدعية عدوى كارثية، ومنحّية قواعد السلامة جانباً.

ومنذ بداية الكارثة، فإن السلطات التنظيمية والتنفيذيين المسؤولين عن هذه المرافق الذين عرضوا الجمهور لمثل هذا الخطر، راكموا خطأً فوق الآخر، في محاولة لإنقاذ أصولهم التي طالها الدمار، تاركين أحواض الوقود المستنفد مكشوفة في العراء دون تبريد، مما أسفر عن دمار غير قابل للإصلاح، لحق بأنظمة الحماية التي لا تزال سليمة.

لقد أدى مزيج الشعور بالكبرياء والعجرفة، جنباً إلى جنب مع ميل إلى السرية وانعدام الشفافية، إلى رفض المسؤولين في القطاعين العام والخاص في اليابان للمساعدات الدولية، في حين يتم التستر على نطاق الكارثة عن كل من الشعب الياباني والمجتمع الدولي. وتُركَ العمال، ذوو الشجاعة والذين يحصلون على أجور متدنية، أمام مهمة بالغة الخطورة تتمثل في تحديد الطريقة التي يتم بها تبريد المفاعلات، وهي المهمة المعقدة التي لم يتلقوا تدريباً على القيام بها.

ولكي لا يعترفوا بأنهم أخفوا حقيقة الموقف الخطير عن العالم الخارجي، يرفض الآن هؤلاء المسؤولون أنفسهم التعاون من جانب خبراء أجانب.

ومن ناحية أخرى، فإن الأمر المثير للحيرة هو أن المجتمع الدولي، الذي يسارع بالتدخل لأدنى خرق لقواعد حقوق الإنسان، يظل متواطئاً تماماً في هذه الحالة. فعندما تم كشف الحقائق بشأن أزمة الرهن العقاري عالي المخاطر في النهاية، تم اتخاذ إجراء منسق على المستوى العالمي.

في هذه الحالة، يتم توجيه السؤال للمسؤولين اليابانيين بطريقتهم المهذبة، حول ماهية حقيقة الأمور على الأرض. فليس هناك من يصر على معرفة متى يتم رفض المساعدات الخارجية كي لا ينتشر الذعر، ولكي يتم إنقاذ استثماراتهم ذات التكلفة.

كل ذلك عبثي، فالصناعة النووية برمتها، شأن أسواق المال العالمية، لا يمكن إنقاذها إذا لم تتم السيطرة على الكارثة بأسرع ما يمكن. فالانتخابات الأخيرة في ألمانيا التي أثارت مسألة الانكشاف النووي، أنذرت برد فعل عالمي وشيك.

هكذا فإن هناك حاجة عاجلة لإقامة تحالف عالمي، من دول وخبراء لديهم الكفاءة في التدخل لدرء الضرر. ويتعين على أصدقائنا في اليابان تقبل هذا التدخل بأسرع ما يمكن، دون الشعور بالإساءة أو المهانة جراء إصرارنا على ذلك. يمكن استعادة الثقة فقط في حال كشف الحقائق الواقعية، من خلال «اختبار جهد» موضوعي.

وفي الوقت الذي يجري تجميع أطراف هذا التحالف، لا ينبغي على المجتمع الدولي الانتظار لإرسال طائرات ومروحيات وأجهزة إطفاء حرائق، وروبوتات وطائرات موجهة عن بعد، وخلاطات إسمنت، من أجل احتواء الكارثة قبل حدوث انهيار تام.

ولكي نعقد مقاربة أخرى في هذا الصدد مع ما يتردد في أخبار اليوم، فإن العالم تقع عليه مسؤولية التدخل عندما لا تستطيع دولة ذات سيادة أن تحمي شعبها أو تأبى القيام بذلك، وعندما يمتد نطاق الخطر متجاوزاً الحدود.

Email