أوباما والاقتراب من سياسة بوش

ت + ت - الحجم الطبيعي

يأتي قرار مجلس الأمن بشأن ليبيا، والذي لعبت الولايات المتحدة الأميركية دورا رئيسيا في صدوره، ليعيد إلى الأذهان مذهب التدخل الإنساني الذي صاغته الإدارات الأميركية السابقة في تسعينات القرن العشرين، والذي بموجبه تدخلت الولايات المتحدة في أكثر من أزمة دولية، على رأسها أزمة كوسوفو والبوسنة والهرسك. وقد ظن كثيرون أن هذا المذهب قد أصبح من المذاهب غير المفعلة في السياسة الخارجية الأميركية، بعد أن أصبحت السياسة الأميركية أكثر تدخلاً عنه في عهد الرئيس السابق جورج دبيلو بوش، الذي سيطر تيار المحافظين الجدد على إدارته، وجعلوه يتبنى أطروحاتهم التي جعلت أميركا تدخل في مغامرات عسكرية خارجية غير ناجحة.

وإذا كان الرئيس الحالي باراك أوباما قد تبنى خطابا سياسيا يسعى إلى التصالح مع العالم الإسلامي، وإلى إنهاء المغامرات العسكرية التي قام بها سلفه بوش، فإن تطورات الموقف الأميركي من التدخل العسكري في ليبيا، تؤكد أن تحولا ما حدث على صعيد مواقف أوباما من القضايا الخارجية، حيث اقترب بدرجة ما من سياسات رؤساء سابقين، بعدما ظن العالم الخارجي أن سياسة أوباما الخارجية ستمثل قطيعة مع السياسات الخارجية الأميركية التقليدية.

ويعود هذا الأمر إلى سببين؛ الأول أن الذي يصنع سياسات الولايات المتحدة، هو مؤسسات راسخة لم يستطع أوباما أن يفرض عليها سياسات مختلفة، رغم أن القاعدة السياسية التي جاءت بأوباما إلى سدة الحكم، كانت تريد إحداث قطيعة مع السياسات السابقة. وبالطبع فإن هذه المؤسسات لديها تصورات حول المصالح الأميركية، تدفعها إلى اتخاذ هذه السياسات، رغم الحديث حول المبادئ التي يتشدق بها الساسة الأميركيون. وفي ما يتعلق بليبيا، فإن سوق النفط واتجاهاته هو الذي لعب الدور الأكبر في تحديد الموقف الأميركي، وليس المبادئ الإنسانية.

أما السبب الثاني، فهو أن الرئيس الأميركي أصبح على أعتاب الحملة الانتخابية الرئاسية، وكل خطواته وسياساته سوف تحسب عليه، وبالتالي لا يمكن فصل الموقف مما يحدث في ليبيا عن الحملة الانتخابية، حيث يسعى أوباما إلى كسب قطاعات من الناخبين عبر هذه السياسات، ويريد تجنب انتقادات يمكن أن توجه إليه أثناء الحملة الانتخابية. وهذا قد يفسر التردد الذي بدا في الموقف الأميركي أول الأمر، واختلاف الخطاب بين الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون حول الموقف في ليبيا، حيث كان كل منهما ينطلق من اعتبارات مختلفة.

ومن الأمور الملفتة للنظر، أن التنسيق الذي جرى، قاده حكام يمينيون، مثل نيكولا ساركوزي وديفيد كاميرون، وأصبح الرئيس أوباما الديمقراطي تابعا لهؤلاء، وهو أمر مختلف عن استحقاقات سابقة، حيث كان الرئيس الأميركي هو الذي يقود الترتيبات، وكان الرئيس الديمقراطي سابقا ينسق عادة مع رؤساء وزارات ينتمون إلى الوسط أو يسار الوسط، وليس اليمين. ورؤية هؤلاء االقادة اليمينيين للمصالح الغربية، تقترب من رؤية الجمهوريين في الولايات المتحدة، وساركوزي بالذات تقترب رؤاه من رؤى المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، وهو ما يعني أن أوباما بدأ يتبنى سياسات تقترب به من سياسات الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. ويمكن ملاحظة ذلك من لغة الخطاب التي لجأ إليها الرئيس أوباما في تهديده للعقيد معمر القذافي، وهي تقريبا نفس المفردات التي استخدمها الرئيس بوش وهو يهدد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

كذلك فإن شكل التحالف الذي تم تشكيله لتنفيذ قرار مجلس الأمن الخاص بليبيا، يقترب بصورة ما من التحالف الذي تشكل ضد صدام حسين، وهو ما جعل مراقبين يقولون إن أوباما يطبق السياسة الخارجية لبوش ويقترب من تصورات المحافظين الجدد، وأن ما طرأ من تغيير في سياسات إدارته، اقتصر فقط على السياسة الداخلية في الفترة التي سبقت عودة الجمهوريين للسيطرة على مجلس النواب.

الأمر الوحيد المختلف، هو أن أوباما يطبق هذه السياسة بنعومة، وعبر سياسة للعلاقات العامة جعلت الرأي العام الأميركي يتقبلها، وحالت دون تنظيم مظاهرات مناهضة لها وله في الدول الأوروبية الرئيسية، وفي دول العالم الثالث، وأن جزءاً من هذا الأمر يرجع لأسلوب الزعيم الليبي في إدارة الأزمة، وهو أسلوب أدى إلى الحيلولة دون جذب أي تعاطف معه، سواء في مواجهة المتظاهرين العزل أو في تحدي العالم بأكمله، دون تبني أي سياسة تدفع القوى الديمقراطية أو الإنسانية العالمية إلى التعاطف معه، ما جعله يقف معزولا في مواجهة العالم، وأيضا في مواجهة معظم فئات شعبه.

وإذا كان الرئيس الأميركي وهو يتخذ خطواته وسياساته تجاه النظام الليبي، قد وضع نصب عينيه حملته الانتخابية الرئاسية، فإن ذلك لا يعني أنه تجنب تماما مخاطر هذه السياسات في الحملة، ذلك أن هذه السياسة قد تجعل قطاعات شعبية من تلك التي وقفت إلى جانبه في الانتخابات السابقة، تتخلى عنه لأنه لم يحدث قطيعة مع سياسات سلفه، فضلا عن أن القطاعات التي سعى إلى جذبها لصفه، هي من تلك التي تقترب بدرجة أو أخرى من سياسات الحزب الجمهوري، وهو ما يعني أن سلبيات هذه السياسة على أوباما ستكون أكبر من إيجابيتها.

 

Email