زلزال اليابان يهدد سوق الطاقة النووية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد حوادث محطات الطاقة النووية في اليابان من جراء الزلازل والمد البحري يدور الآن جدل واسع حول مستقبل الطاقة النووية، هذا الجدل الذي سيكون له بالقطع تأثيرات كبيرة، ليس فقط على السوق العالمية لتكنولوجيا الطاقة النووية، بل على أسواق الطاقة العالمية بشكل عام، حيث كانت تشكل الطاقة النووية أملا كبيرا للبشرية في ظل تراجع احتياطيات النفط والغاز وارتفاع أسعارهما المستمر، ويرى الخبراء والمراقبون أن أحداث محطات الطاقة النووية في اليابان جعلت العديد من الدول تراجع حساباتها بشكل جاد حول مشاريعها وبرامجها النووية، بل إن حكومات بعض الدول قررت بالفعل تعليق برامجها النووية وإيقاف عمل بعض المحطات القديمة لديها، وفي نفس الوقت وجدت المنظمات والجمعيات صديقة البيئة فرصتها لتصعيد حملتها ضد الطاقة النووية، معددة أضرارها ومخاطرها الإشعاعية على الحياة الإنسانية والبيئة الطبيعية، هذا على الرغم من أن أصدقاء البيئة هؤلاء هم أول من أشاد بالطاقة النووية من قبل واعتبروها «طاقة صديقة للبيئة» باعتبار أنها لا ينتج عنها أي مخلفات.

أحداث اليابان ليست عادية بل هي كما يقول الخبراء غير مسبوقة، وخاصة أنها تأتي من دولة لها السبق والريادة في استخدام التكنولوجيا النووية وفي عالم الطاقة الذرية، حيث تعتبر اليابان المنافس الأول في السوق العالمية للطاقة النووية ضمن أكبر خمس دول في التكنولوجيا النووية، ومنهم روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، كما أن الشركات اليابانية لديها عقود في أكثر من خمسين دولة في العالم لبناء وصيانة محطات طاقة نووية، ويأتي حادث محطة فوكوشيما ليهدد هذه المكانة لليابان، بل ربما يخرجها من دائرة المنافسين في هذه السوق، لكن المشكلة ليست في خروج اليابان أو بقائها، بل إن ما حدث في المحطات اليابانية له تأثيره السلبي على صناعة الطاقة النووية ككل.

لقد وصف جونتر اوتينغر، مفوض الطاقة في الاتحاد الأوروبي حادث محطة «فوكوشيما-‬1» اليابانية بأنه «نهاية العالم»، مشيراً إلى أن السلطات اليابانية فقدت عمليا السيطرة على الوضع هناك، وفق ما ذكرته وكالة فرانس برس، إنه يعتبر أول حادث بهذا الحجم على المستوى العالمي. لأول مرة نشهد حادثة تمس أكثر من محطة نووية، وعدة مفاعلات نووية في الوقت نفسه، كما نعلم هناك أربع محطات مهددة وهي فوكوشيما واحد وفوكوشيما اثنان، ومحطتان تبعدان عن البحر، لكنهما تأثرتا بالزلزال، وكان هناك حريق وقذف للإشعاعات النووية. حادثة بمثل هذا الحجم، لم يشهدها عالم الطاقة النووية. في هذه الحالة يمكننا تصور مدى الخطورة، وهو عبارة عن سيناريو عصيب. ففي حال انهيار المفاعل النووي وتحديدا المنطقة النشطة فيه سيتم قذف النويدات المشعة على المناطق المجاورة، ناهيك عن تواجد مخازن للطاقة الذرية في كل محطة، وإذا لم يتم تبريدها، فسيؤدي هذا الأمر حتما إلى قذف النويدات المشعة على البيئة المحيطة. وكانت المشكلة الرئيسية التي تواجه العالم إزاء هذا الحادث هي غياب المعلومات.

أو كما يسميه البعض «تغييب» المعلومات، حيث تعمدت السلطات اليابانية منذ البداية إخفاء المعلومات عما يحدث في محطة فوكوشيما، ولم يعرف أحد السبب وراء تعمد اليابان إخفاء المعلومات، لدرجة أنها لم تسمح للخبراء الروس النوويين بزيارة المحطة أو الاقتراب منها، ويرجع البعض هذا الأمر إلى أن اليابان لا تريد أن يرى أحد العيوب الواضحة في محطاتها النووية، مما يؤثر على سمعتها في السوق النووية، ولكن الخبراء الروس، ودفاعا منهم عن سمعة الطاقة النووية وتقنياتها، كشفوا الكثير من عيوب محطات الطاقة النووية اليابانية، حيث ذكر الخبير الروسي في الطاقة الذرية أيغور خاخلوف في حديث لقناة «روسيا اليوم» في ‬17 مارس أن المفاعلات في محطة فوكوشيما الكهروذرية اليابانية بعيدة عن التقنية الحديثة وأنها قديمة في تصميماتها وبها الكثير من الأخطاء الفنية، وقال خاخلوف «علينا أن نعرف جيدا أن اليابان شيدت مفاعلاتها هذه منذ نحو نصف قرن مضى، وفي هذا التوقيت لم تكن وسائل الأمن والأمان في المحطات متطورة بالشكل التي هي عليه الآن، حيث كانت التقنية الذرية متخلفة بشكل كبير، وعند معاينتنا لها اكتشفنا أن بها أخطاء فنية جسيمة، ومن أبرز هذه الأخطاء بناء هذه المحطات بالقرب من شواطئ البحار، مما يعرضها للزلازل والمد البحري القوي، هذا إلى جانب تخلف تقنيات منظومات التبريد في هذه المفاعلات».

وتحاول روسيا، باعتبارها من أكبر مصدري الطاقة النووية في العالم، أن تخفف من حدة الرعب الذي تولد عن حادث محطة فوكوشيما اليابانية قبل أن يؤثر على سوق الطاقة النووية العالمية، هذه السوق التي تشكل عقود الشركات الروسية فيها في أكثر من أربعين دولة ما يعادل ربع هذه السوق، وتقدر قيمة هذه العقود على مدى السنوات العشر المقبلة بعشرات المليارات من الدولارات، وهذه العقود مهددة بالإلغاء أو التوقف بسبب تداعيات حادث محطة فوكوشيما اليابانية، وقد صرح أناتولي تشوبايس رئيس شركة تكنولوجيا النانو الروسية «روس نانو» بأن المصادر البديلة لتوليد الطاقة لا يمكنها أن تحل مكان الطاقة الذرية، مشيراً إلى عدم ضرورة اعتماد الاستنتاجات حول مستقبل الذرة السلمية على خلفية المشاعر التي ولدتها الكوارث التي تشهدها اليابان حاليا، وأضاف أنه لا حاجة لاعتبار الطاقة البديلة كفيلة بإغلاق أبواب الطاقة الذرية.

Email