عمل المرأة رصيد حقيقي للعالم

ت + ت - الحجم الطبيعي

ركز الاحتفال باليوم العالمي للمرأة هذا العام على العمل، والتأكد من أن المرأة في جميع أنحاء العالم تتمكن من الحصول على التدريب والتكنولوجيا اللازمين لكي تكون جزءاً من الاقتصاد العالمي. العمل، بالنسبة لمعظمنا، هو جزء أساسي من الطريقة التي يمكننا بها كسب العيش والتعبير عن أنفسنا في العالم. فهو يوفر لقمة العيش والهوية والهدف.

 يعد توقيت التركيز هذا العام على المرأة ومكان العمل مدوياً بشكل خاص في نفسي في ظل استكمال عملية الدمج رسمياً بين صحيفة «هافنغتون بوست» و«أميركا أون لاين». لذلك أود أن اغتنم هذه الفرصة للاحتفال باليوم الدولي للمرأة ودخول فصل كبير جديد من خلال الكتابة عن المرأة التي كان لها أكبر الأثر على حياتي وهي والدتي.

فقد كانت نصيحتها والحكمة والنقد البناء والمحبة غير المشروطة الأساس في وجودي. من الأمور الكثيرة التي علمتني إياها، بما في ذلك فكرة أن «الملائكة تطير لأنها تنظر إلى نفسها باستخفاف»، تلك الفكرة التي أثبتت جدواها للغاية في حياتي العملية وهي فهم أن الفشل ليس المقابل للنجاح، وإنما جزء لا يتجزأ من النجاح. على سبيل المثال، علمتني أن هناك دائماً وسيلة للتغلب على مشكلة، وما عليك سوى إيجاد هذه الوسيلة.

حاول أن تطرق جميع الأبواب، وسوف يفتح أحدها في نهاية المطاف. وأظهرت، قولاً وعملاً، بانتظام قيمة وجود الدعم الجماعي للعائلة والأصدقاء، وهو ما أصفه بــ«عشيرتي الشجاعة»، في المكان المناسب لتعطيك اقتراحات صادقة، لدعمك في وقت الشدائد، لمساعدتك في تضميد الجرح....

وعلى القدر نفسه من الأهمية، لمساعدتك في الاحتفاء وتقدير الأوقات الطيبة أيضاً. إن هذا يحمل قدراً من الأهمية بوجه خاص بالنسبة للنساء العاملات، اللاتي مازلن يواجهن ازدواجاً متأصلاً في المعايير، حيث ينكر على المرأة غالباً السلوكيات نفسها التي تساعد الرجال على المضي قدماً واثبات جدارتهم في العمل.

لكي نغزو مجالات العمل كنساء، فإننا نحتاج إلى التقدم إليها بطريقتنا الفريدة الخاصة بنا، وليس كنسخة كربونية من الرجال، آلات عمل تحمل الحقائب وترتدي أزياء مميزة للعمل لمجرد وجود اثنين من الكروموزومات من نوع إكس. إننا نواجه تحدياً مزدوجاً، ذلك لأنه بغض النظر عن توترات المكاتب والمهنة التي يواجهها الجميع.

فإن النساء لديهن مخاوف معينة متعلقة بالعمل تتركز على المفارقة من الحفاظ على علاقات والإبقاء على «أنثويتها» في حين تؤدي وظيفة جيدة. باعتبارنا نساء عاملات، علينا أن نقيّم التكلفة النفسية لعدم تجربة وظيفة جديدة أو المغامرة ضد احتمال عدم النجاح والتعرض للحرج نتيجة جهودنا. التحدي الأول يشكل الندم، أما الأخير فيؤدي إلى ساعات قليلة، أو ربما بضعة أيام، من التعافي من هزائمنا. فقد تعلمت مراراً وتكراراً خلال مسيرتي العملية أنه إذا كنت تريد أن تنجح، فلا بديل عن التحلي بروح المغامرة.

والعالم بحاجة ماسة إلى النساء اللواتي لديهن استعداداً للقيام بذلك. ذلك لأن النساء مؤهلات بشكل مثالي لتزويد الصفات التي نحتاجها في قادتنا الآن، كونها قوية وحاسمة، بينما في الوقت نفسه فهي مربية وحكيمة ومحترمة بما يكفي لقول الحقيقة مع وجود سلطة أخلاقية ملهمة وتتيح التمكين. في الواقع.

لو أن بنك «ليمان براذرز» كان اسمه «ليمان براذرز آند سيسترز»، لظل قائماً حتى الآن. ففي الوقت الذي كان يتفاخر «ليمان براذرز» بوجود ‬100 ساعة من العمل في الأسبوع أو أخذ قسط من النوم لأربع ساعات فقط في الليلة السابقة، لكان بمقدور «ليمان سيسترز» ملاحظة جبال الجليد التي يلوح في الأفق، لأن هذا واحد من الجوانب المحورية في سمات القيادة.

وهو رؤية الجبال الجليدية قبل أن تغرق السفينة. تخبرنا الثقافة السائدة بأن مواصلة العمل على مدار الساعة هو أمر ضروري، وأن النوم لفترة أقل، القيام بمهام متعددة يعتبر بمثابة مصعد سريع نحو القمة. أما والدتي فكانت مختلفة. اتسمت حياتها بإيقاع عالم مجرد من الزمن، وهو إيقاع الطفل. لم يكن في عالمها تصادمات مجهولة.

حيث كان عالماً تملأ فيه رحلة إلى سوق المزارعين بسعادة نصف يومها، عالماً كان فيه الوقت كافٍ دائماً للتساؤل حول مدى جمال زهرة إكليل الجبل بجوار زهرة الخزامي. في الواقع، كانت تجربة مصاحبتها إلى السوق أشبه بالمرور عبر متحف اللوفر بشيء من الذوق الفني، إلا إذا كان يمكنك لمس وشم لوحات الطبيعة الصامتة هذه. كانت آخر مرة شعرت فيها أمي بالضيق مني عندما رأتني أتحدث مع أولادي وأتصفح بريدي في الوقت نفسه. فقد كانت تكره أداء أكثر من مهمة في وقت واحد.

وكانت تعتبر ذلك وسيلة لإهدار الوقت، وتفويت الفرصة التي تأتي فقط عندما تعطي ‬100؟ من مجهودك لمهمة ما أو علاقة أو لحظة. لقد اتسمت طريقتها بالروعة في التعامل مع الأمور في شتى المجالات في حياتها. خصوصاً دورها كأم.

وعلمتني أنني لابد أن أؤمن بأنه لم يكن هناك شيء أخشى محاولته، في الوقت نفسه أوضحت أنها تود مني إلا أنكسر في حال تعرضت للفشل. اعتادت دائماً القول ان الهدف من الحياة ليس أن نرى ما يمكننا أن نصنعه منها، ولكن ما يمكن أن تصنعه منا. حسناً، فقد صنعت من الحياة مغامرة كبرى، وصنعت منها الحياة دليلاً سياحياً رائعاً. رغم وفاتها في عام ‬2000، إلا أنني لا يسعني سوى تلمس توجيهاتها وأنا أنطلق إلى ما يعد بأن يشكل أكبر مغامرة في حياتي العملية.

Email