حرب النفط القادمة في ليبيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

وجه العقيد معمر القذافي تهديدا صريحا وواضحا بأنه ينوي طرد الشركات الغربية من سوق الطاقة الليبية، سواء النفط أو الغاز الطبيعي، واستدعاء شركات روسية وصينية وهندية لتحل محل الشركات الغربية، هذا التهديد بالقطع رهن ببقاء نظام القذافي في ليبيا، وهو الأمر الذي لم يحسم بعد ولا يستطيع أحد الجزم بإمكانية حسمه على أي شكل في الأيام القريبة القادمة، وأيا كان الأمر فإن هذا التهديد من القذافي ليس أمرا عاديا، بل يجب التعامل معه على درجة عالية من الاهتمام، خاصة وأن القذافي ليس شخصا عاديا، بل هو شخص غير عادي بالمرة، وممكن أن يفعل أي شيء غير متوقع، وما بالنا بشخص غير عادي مثل القذافي يحكم في بلده أكثر من أربعة عقود، ولا يتوانى عن اتخاذ الأساليب الغريبة وارتداء الأزياء العجيبة الملفتة للنظر، ويرحل بخيمته البدوية وسط شوارع المدن الحضارية، ويحيط نفسه بحرس من النساء، ويمزق ميثاق الأمم المتحدة على منبر الجمعية العامة الدولية، ويخلع على نفسه الألقاب والمسميات الغريبة، مثل هذا الرجل بعد أربعة عقود من الحكم يواجه أزمة مثل التي يواجهها الآن يمكن أن نتوقع منه أي شيء.

تهديد القذافي بطرد شركات النفط الأميركية والأوروبية من ليبيا أمر غاية في الخطورة، ليس فقط لأنه متوقع حدوثه في حالة بقائه في الحكم، بل أيضا لأن هذا التهديد يمكن أن يشكل مبررا منطقيا وواقعيا لواشنطن لشن هجوم عسكري على ليبيا بدون الحاجة إلى قرار دولي، مثلما فعلت في العراق، وكان الهدف الرئيس في العراق هو النفط أيضا، ولن تحتاج الإدارة الأميركية ولا البنتاجون لبذل جهود كبيرة لإقناع الأوروبيين بهذه الخطوة طالما أن الأمر يهدد مصادر الطاقة من النفط والغاز، وسوف يساعد الإدارة الأميركية في إقناع الأوروبيين بهذه الخطوة الظروف الاقتصادية التي تمر بها أوروبا في ظل الأزمة المالية العالمية، وربما نلاحظ الآن الكثير من التحذيرات في وسائل الإعلام الغربية عن احتمال ارتفاع أسعار النفط لأكثر من مئتي دولار للبرميل في حال تصاعد الأحداث في ليبيا واستمرار القذافي في الحكم، وربما نلاحظ أيضا تدارك القذافي وأبنائه والمحيطين بهم بخطورة هذا المخطط الأميركي وتعالي صيحاتهم وتصريحاتهم المهدئة والمطمئنة بأن النفط الليبي في أمان ولن يمسه أحد بسوء، وأن نظام القذافي يضمن استمرار إمدادات النفط للعالم، وهذه التصريحات تهدف إلى الحد من الهجمات الدعائية من الغرب على نظام القذافي وحث الأوروبيين على التوقف عن دعم المعارضين لنظامه.

المشكلة الرئيسية هنا أن هناك في الولايات المتحدة وفي بريطانيا أيضا من يريد الحرب لمجرد الحرب، ولا يهم أن يسقط القذافي أو لا يسقط، بل ربما تكون لديهم الحرب أفضل في وجوده حتى تستمر أطول فترة ممكنة، إنهم تجار الحروب الذين شنوا حروبا كثيرة من قبل بدون مبررات شرعية، هؤلاء لديهم طموحات خاصة في البلدان الغنية بمصادر الطاقة من النفط والغاز، وطموحاتهم هذه لا تتحقق بدون السيطرة الكاملة على البلد، وهذه السيطرة لن تكون بدون تدخل عسكري مباشر، وكالعادة سيبحثون عن نظام جديد يحكم ليبيا، ويصفونه بالنظام الديمقراطي، بالضبط مثلما فعلوا في العراق، ثم يضعون أيديهم على مصادر الطاقة في ليبيا ويقسمونها بينهم بالأسعار والشروط التي يحددونها هم بالاتفاق مع النظام الديمقراطي المزعوم الذي سيأتون به ويضعونه على رأس السلطة، وبالطبع ليس من المستبعد أن يتكرر السيناريو العراقي بملء المدن والشوارع الليبية بعصابات المرتزقة المحمية من القوات الأميركية لتعيث فسادا وإرهابا وقتلا وتدميرا، وسوف نرى نشاطا كبيرا لتنظيم القاعدة في ليبيا، خاصة وأن القذافي نفسه أعطاهم الضوء الأخضر لذلك بادعاءاته المتكررة عن نشاط تنظيم القاعدة في ليبيا.

هذا السيناريو التشاؤمي للأحداث في ليبيا هو الذي يشغل بال واهتمام العديد من الدوائر السياسية في العالم الآن، في الوقت الذي بدأت فيه البوارج الحربية الأميركية تتحرك بالفعل في البحر المتوسط في اتجاه السواحل الليبية، هذا في الوقت الذي نسمع فيه صيحات ألأوروبيين وغيرهم ترفض بشدة التدخل العسكري في ليبيا، بل إنهم يرفضون حتى فرض حظر جوي على ليبيا، مبررين ذلك بوجود أعداد كبيرة من الرعايا ألأجانب هناك.

روسيا من جانبها ترفض بشدة أي تدخل عسكري في ليبيا، لكنها لا تستبعد أن تقدم واشنطن على مثل هذه الخطوة،ولا تعول موسكو كثيرا على الرئيس الأميركي أوباما ومواقفه التي تبدو في ظاهرها رافضة لمنطق الحرب، ويرى البعض أن الرئيس أوباما الذي تراجعت شعبيته بدرجة كبيرة خلال العامين الماضيين قد يقدم على خطوة مثل هذه تجعل الجمهوريين يؤيدون بقاءه في الحكم لولاية ثانية.

التدخل العسكري الأميركي في ليبيا سوف يشكل كارثة كبيرة، وسوف يطيح بمصالح دول كثيرة في أسواق الطاقة في ليبيا وفي شمال أفريقيا ككل، ومن هذه الدول روسيا والصين وغيرهما، وربما لهذا نتوقع أن تتخذ روسيا إجراءات غير عادية لتفادي هذا السيناريو الكارثي، ومنها ما سمعناه مؤخرا من أن بوارج حربية روسية تتوجه تجاه السواحل الليبية وعلى متنها فرق من مشاة البحرية الروسية، ورغم أن قيادة الأسطول الحربي الروسي أنكرت هذه الأنباء، إلا أن طرحها في حد ذاته يعني أشياء كثيرة، وعلى رأسها أن موسكو لن تسمح بتحويل ليبيا إلى عراق آخر.

خبيرة الطاقة الروسية

Email