عُمان.. أربعون عاماً من الازدهار

ت + ت - الحجم الطبيعي

«رحم الله أهل عُمان آمنوا بي ولم يروني»

حديث نبوي

 

كانت عُمان، هذا البلد الجميل الذي يُعتبر دُرة الجزيرة العربية، وذو التاريخ العريق، قبل ما يقرب من نصف قرن مضى، يعاني من تراكمات في التخلف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، مما جعله تربة خصبة لنمو الأيدولوجيات الغريبة عن بيئته، تلك الأيدولوجيات الراديكالية شديدة التطرف، التي هبت رياحها العاتية من الجنوب اليمني المتاخم لعمان..

حيث استلمت مقاليد الأمور هناك فئة إفراطية بعد انسحاب الإنجليز وانهيار مشروع اتحاد الجنوب العربي، وانتشار الفوضى في ربوع هذه البلاد، بلاد جنوب اليمن.. وكشَّر العبث باسم الثورة وباسم التحرير، عن أنيابه، واشتعلت النيران لتأكل كل شيء أمامها، وأصبحت مدينة عدن على سبيل المثال، والتي كانت نجمة ساطعة في بحر العرب والبحر الأحمر، يباباً وخراباً، وآل أمر أهلها الذين كانوا في سعة من العيش إلى البؤس والفاقة..

وأصبحت منذ ذلك الوقت لقمة سائغة لكل مدعٍ وعابث. والمصيبة الكبرى أن التطرف المفرط لم يكتف بالخراب الذي حدث في بلده وبين أهله، بل دفعه التهور لغزو عُمان، ومنها التسلل إلى بقية المناطق الخليجية، لهدم كل عمار وبناء، بزعم القضاء على ما سمّوه بالمخلفات الاستعمارية والرجعية..

والعجيب أن هؤلاء الإفراطيين أطلقوا على خططهم هذه اسم جبهة «تحرير عمان والخليج العربي»، ولا يسع أي عاقل إلا أن يتساءل، عن أي تحرير كان يتحدث هؤلاء، وما كانت الأحوال ستؤول إليه لو تولى هؤلاء زمام الأمور؟ وهل كانت المنطقة ستكون بهذا الازدهار الذي نشهده اليوم؟! الجواب الصحيح؛ أن الأيام أثبتت فشل أي مشروع سياسي واجتماعي واقتصادي، طرحه هؤلاء الإفراطيون، والنتيجة لم تكن سوى اللغط الشعاراتي، وأن الأفعال كانت مغايرة للأقوال.

وقد يكون من باب المكابرة أن لا يعترف المرء أن عُمان كانت بحالتها تلك، التي كانت عليها قبل أربعين عاماً، بحاجة ماسة إلى يد إصلاحية تمتد إليها، ولكن هذه اليد الإصلاحية البتة لم تكن لتأتي بها الإفراطية والتشددية، اللتان كانتا مشروعاً يفتقر افتقاراً كلياً لأي هدف إصلاحي كما هو الآن في أي حركة إفراطية، وفي أي مكان وزمان، ولأن من المعروف أن طرق الرشادة بعيدة عن ذهنية المغالين والمتشددين.

ولكن الإصلاح المنشود هو ما أتى من أبناء عمان المخلصين أنفسهم، الذين قاموا بالتغيير من أجل التعمير، وعلى رأس هؤلاء السلطان الحالي لعُمان، السلطان قابوس بن سعيد، ومن التف حوله من دُعاة الإصلاح العمانيين، الذين نجحوا في إخراج عُمان من براثن التخلف، إلى عصر جديد من النهضة والتنمية في جميع مناحي الحياة، خلال وقت قصير لا يُؤخذ في الحسبان في التاريخ الطويل للشعوب.

ومن يتذكر ما مر من أحداث منذ الخمسينات من القرن الماضي في منطقة الخليج، وعرف شيئاً مما كانت تمر به سلطنة عُمان من المآسي، التي كانت تضيف عبئاً ثقيلاً على كاهل الشعب العماني، ابتداء من مظاهر التخلف التي كان يعاني منها، وانتهاء بالعدوان عليه ومحاولات تمزيقه إلى شطرين؛ عمان الساحل وعمان الداخل، وكانت العسكرتاريا العربية تؤيد هذا المرام التعسفي وتسانده ظلماً وعدواناً، ومن يشاهد الآن درجة الرقي والنهضة والإعمار في كل شبر من أرض عُمان الطيبة، على يد سلطانها، السلطان قابوس بن سعيد آل بوسعيد، فإنه لا يسع هذا المشاهد إلا أن يقف تحية لهذا العمل النهضوي الكبير، الذي شهدته عُمان في هذا العهد الزاهر، إذ أصبح هذا البلد مثالاً للعمران الذي يأتي أُكله طيباً في كل مجال وصوب.

ولا شك أن الإماراتيين يشعرون بالفخر لما تتمتع به عُمان اليوم من نهضة وعزة، لأن عُمان هي الشقيقة الكبرى، وهي الأصل والمنبت للغالبية العظمى من الخليجيين العرب في الساحلين العربي والفارسي، وإذا عُدنا إلى العلاقات الأخوية بين شعبي عُمان والإمارات، فإن هذه العلاقات من المتانة والقوة، بحيث لا تستطيع عاديات الأيام أن تفصم عراها.

والتاريخ في مروياته يحدثنا أن هذين الشعبين كانا متلاحمين جغرافياً وديمغرافياً، وأن كليهما تجمعهما جماعتان سياسيتان انصهرت فيهما قبائل وعشائر وأُسر هذه المنطقة، وهاتان الجماعتان، هما، الهناوية والغافرية، والبَلدان، عُمان والإمارات، يقيمان اليوم من رحم تلك الجماعات وفروعها وملحقاتها مجتمعاً مدنياً تعددياً ونهضوياً، يساهم في المدنية الحاضرة، التي تمتد أبعادها إلى الحضارة الإنسانية، كما يحدثنا التاريخ أن التعاون بين الشعبين كان الدرع الذي صدَّ الغزوات التي كانت تأتي من الغرب، وتآزر الزعيمان الكبيران، السلطان فيصل بن تركي آل بو سعيد، والشيخ زايد بن خليفة، في التصدي لهذا العدوان، وزار السلطان فيصل أبوظبي لملاقاة الشيخ زايد بن خليفة عام ‬1902، على ظهر يخته السلطاني، حيث عقد مؤتمر ضم الشيخ زايد بن خليفة، والسلطان فيصل بن تركي، والسير برسي كوكس، المقيم السياسي البريطاني في بوشهر ومنطقة الخليج.

وعندما تعرضت منطقة البريمي للاعتداء في أوائل الخمسينات، أصبح التعاون على أشده بين السلطان سعيد بن تيمور، والشيخ شخبوط بن سلطان، وكان يمثله الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، وهذا التعاون المثمر أدى إلى فشل العدوان، وجاء التمرد من قبل من أغوت بهم جماعات متطرفة في عمان، ليزيد من هذا التعاون الذي أفشل التمرد، ولعب جيش ساحل عمان ــ جيش الإمارات، دوراً كبيراً في التصدي للمؤامرات، وكان الشيخ زايد بن سلطان هو مهندس بناء هذا الجيش، والذي كان له السهم الوافر في إيجاد الأمن والاستقرار الداخلي في إمارات ساحل عُمان، قبل قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وبعد ذلك أصبح هذا الجيش نواة لجيش الاتحاد.

Email