هناك أشياء كثيرة حولنا ترسم بسمة على قلوبنا قبل شفاهنا، وعلى الرغم من وجودها بوفرة، وإمكانية الحصول عليها بسهولة ويسر، إلا أننا عادة لا نلتفت لها، ولا نثق بمفعولها «السحري»، واهمين بأن الحصول على السعادة لا يمكن أن يحدث إلا بصعوبة ومشقة. وحين نكون في حاجة للإحساس بالسعادة، أو للتخلص من الضغوط النفسية التي أصبحت طبيعية في هذا الوقت، وحين نرغب في لحظات استرخاء للروح قبل الجسد، نسمع الكثير من النصائح والوصايا المتفاوتة في طبيعتها، من مثل: الجلوس على شاطئ البحر في لحظة الغروب، أو اللعب مع الأطفال، أو حتى تأملهم وهم يلعبون غير عابئين إلا بلعبهم فقط، أو الاستماع إلى موسيقى هادئة، وما شابه ذلك من حلول قريبة من متناول اليد، وغير مكلفة، ولا تحتاج سوى أن نمارسها ونحن واثقون من تأثيرها.

لكن هل فكّر أحدنا في أن ينصح شخصا ما في مثل هذه الحالة بتناول قطعة من الشوكولا؟ لا أظن ذلك، مع أن تأثيرها لا يقلّ عن تأثير صوت البحر أو الموسيقى، أو تأمل لحظة الغروب أو لعب الأطفال، أو حتى بسمة طفل وليد يمنحها لنا بعفوية آسرة.

للشوكولا سحر شبيه بكل هذا؛ فهي تتميز بقدرتها على بثّ البهجة والسعادة في نفس الشخص الذي يتناولها، بل إن هذه الأحاسيس كثيرًا ما تتسلل إلى النفوس لمجرد رؤيتها، أيًا كان الشكل الذي تكون عليه. ويكاد يجمع عدد كبير من الناس من مختلف الفئات والتصنيفات، على حب هذه الألواح السمراء التي قد تتلون وتتعدد نكهاتها وطرائق تقديمها وتناولها، لكنها تبقى في النهاية محافظة على جوهرها الأصلي، ويبقى الإحساس الذي تبعثه قطعة شوكولا وهي تذوب في الفم، معادلا للنشوة التي تتخلق في النفس عند سماع قصيدة استثنائية أو مقطوعة موسيقية، أو عند الوقوف في حرم الجمال أمام لوحة فنية أو بناء معماري، لذلك علينا أن نعيش تلك النشوة بكل تفاصيلها.

وعلى الرغم من تعلق الكثيرين بها، إلا أن هذه العلاقة يشوبها شيء من الحذر والتوجس، وهو ما يفسد حالة التماهي التي يُفضّل أن تتم بين القطعة والشخص الذي يتناولها. وكي نحصل على الفوائد المتوخاة من هذا السحر الحلال، علينا أن نلقي وراء ظهورنا كل ما قيل ويُقال عن آثارها السلبية على صحة الجسد، وأن نتذكر فقط ما يُقال عن آثارها الإيجابية على صحة الروح. هذه انتقائية أعترف بها، لكنها مبررة ومدعمة بكثير من الدراسات التي تثبت فوائد جمة للشوكولا، على المستوى الجسدي والنفسي، في مقابل عدد من الدراسات التي تحدثت عن آثارها السلبية، التي يمكن حصرها في: السمنة، وتسوس الأسنان، والسكري، والأكياس الدهنية.

وكي ندخل حالة عشق مع الشوكولا، نحتاج إلى أن نتحرر من الإحساس بأننا نرتكب ذنبًا بتناولها، فنحن حين نفعل ذلك غالبًا ما تتضارب أحاسيسنا وانفعالاتنا بها ومعها؛ فنشعر بلذة كبيرة وبقدر مماثل نشعر بتأنيب الضمير، وهو ما لا يجب أن يكون، إذ علينا أن نشعر أننا نقدّم لأرواحنا ترفًا تستحقه، وأن نكون مطمئنين إلى أننا بتناولها نفعل الشيء الصحيح.

فقد أثبت بعض الأبحاث العلمية أن تناول الشوكولا يزيد من إفراز مادة السيروتونين، التي تثير مشاعر البهجة عند الإنسان. كما جاء في دراسة ألمانية أن الشوكولا تعمل على زيادة فرز مادة أندروفين الطبيعية، التي تعين الجسم على مقاومة الألم. بل إن من أطرف ما جاء في هذه الأبحاث، أن الأمهات الحوامل اللواتي يتناولن الشوكولا أثناء فترة حملهن، ينجبن أطفالا يظهرون ردود فعل إيجابية كالضحك والابتسام مثلا، على نحو أسرع مقارنة بغيرهم، وذلك بحسب ما جاء في دراسة فنلندية. في حين يميل أطفال اللواتي لم يتناولن الشوكولا أثناء فترة حملهن، إلى الحزن والخوف بحسب الدراسة ذاتها!

كل هذا السحر موجود في قطعة شوكولا، ولا يُشترط أن تكون باهظة الثمن حتى توفر لنا كل هذه الاحتياجات النفسية التي لا يستغني عنها إنسان، فالمهم ليس سعرها ولا مصدرها، بل المهم هو مدى تفاعل الشخص معها، وقدرته على وضع أحاسيسه تحت تأثيرها، فأن تتناول قطعة شوكولا يعني أن تضمن لنفسك لحظات سعادة وبهجة، والتمتع بأحاسيس الترف والرفاهية، وكذلك الطمأنينة والسكينة اللتين توفرهما..

ومما يؤسف له أن شجرة الكاكاو مهددة بالانقراض خلال السنوات المقبلة، وهذا يعني أن الأجيال اللاحقة قد لا تعرف هذا المذاق السحري، ولن تتمكن من الاستمتاع بحالات البهجة والرفاهية والسكينة الملفوفة سرًا مع قطعة شوكولا في ورقة تغليف واحدة.