حان موعد مجلس مُنتخَب

ت + ت - الحجم الطبيعي

نتهت دورة المجلس الوطني الاتحادي التي دامت أربع سنوات، وكانت هذه الدورة متميزة بظاهرة واحدة، وهي إحداث شيء من التغيير في هيكليته، من مجلس مُعيَّن إلى مجلس نصف أعضائه مُنتخَبون من الناس، وكانت هذه الخطوة تقدمية ومقبولة ومناسبة، وتُحقِق التدرجية المطلوبة، مصحوبة في وقتها بالوعد بأن الأخذ بالأفضل في هذا التدرج سوف يمضي قُدُماً، وأن الإماراتيين سوف يختارون أعضاء هذا المجلس بالكامل، في وقت لن يطول كثيراً..

ودعونا بمختصر القول الآن، نلقي نظرة عامة، ونتساءل هل تحقق على يد هذا المجلس، الذي جرى فيه الاختبار، شيء غير عادي لم تكن المجالس السابقة المعينّة بالكامل قدرت أن تحققه؟.. والجواب؛ نعم، كان هذا المجلس أكثر وضوحاً في طرح القضايا التي تهم المواطن في حياته اليومية، وإذا وجد عضو هذا المجلس موضوعاً يستحق طرحه والتطرق إليه، فإنه كان يفعل ذلك دون تردد، ودون هواجس خيالية أن موضوعه هذا قد يثير السخط من جهة ما، أو من مسؤول ما في الدولة، تلك الهواجس التي نصنعها نحن بأنفسنا أحياناً، ثم نلقيها تهمة على السلطة، بأنها تقيم حواجز من المنع.. بينما طرف كبير من هذه الحواجز لا يوجد إلا في المخيلة!..

وليس من الضروري استعراض المنجزات بالعد، لكي نثبت أن المجلس كانت له في دورته الماضية منجزات لم تكن لسابقاتها، وخاصة الدورات الثلاث التي سبقتها، وليس من الضروري أيضاً أن يكون المجلس قد نجح في تمرير هذه المنجزات عن طريق المواظبة على المطالبة، لأن ذلك يتوقف على ما إذا كان المشروع المُنجز يقع ضمن صلاحيات الحدود المرسومة للمجلس دستورياً، أو خلاف ذلك.. ولكن نقول إن المجلس كان جريئاً وتطرق إلى مواضيع تخصه أو لا تخصه، بشكل كانت فيه جلجلة من الصوت، التي سمعتها الحكومة وسمعها الناس.. ومن الإنصاف أيضاً، أن نذكر أن الحكومة وجهازها الإداري، كانت تتعامل مع المجلس تعاملاً دستورياً وحضارياً، وأثبتت هذه الأجهزة في الحكومة الحالية، التي يرأسها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، والتي كانت تُستدعى إلى المجلس بين آونة وأخرى، أنها في مستوى المسؤولية، وأن صدرها لم يكن يضيق بما تتعرض له من نقد ومساءلة.

وهنا نصل إلى نقطة، وهي أن الاختيار كان جيداً وناجحاً، وأن الرقابة المحايدة التي قامت بها وزارة الدولة لشؤون المجلس الوطني كانت مهنية، وأنها كانت عاملاً مساعداً في هذا النجاح.. وهنا يحق القول إن على الدولة أن تطرح فكرة الانتقال من مرحلة الانتخاب النصفي، إلى الانتخاب الكلي لمجلس وطني منتخب، شأنه شأن أي مجلس منتخب في العالم.. وهذه سنّة من سنن التطور لا مناص ولا محيد عنها..

وبالإمكان جداً أن يأتي هذا الانتخاب من قبل فئات من المواطنين، ويتم توسيع دوائرها الانتخابية في كل إمارة، وزيادة عدد المُنتخَبين إلى ضعف العدد الذي كان قد انتُخِب في المجلس الحالي، مسايرة لسياسة التدرج من أسفل السلَّم إلى أعلاه..

وكلنا نعرف أن الانتخاب لا يأتي حتماً بأُناس أفضل من المُعينين، والتجارب الإنسانية لم تثبت ذلك.. وقد يكون بين المُعينين من يفضُل عشرات من المُنتخِبين، ولكن هذه هي الديمقراطية، وهذا هو مبدأ إعطاء الناس حق اختيار ممثليهم في المجالس النيابية، وأمثالها من المجالس التشريعية، وهذا هو المقبول اليوم في المجتمع الدولي، وبدونه ينظر إلى المجتمع في المحافل الدولية على أنه لم يصل بعد إلى النضج السياسي..

ولكي تواكب التدرجية مراحل التطور المطلوب، لا بد للمجلس الجديد أن ينتقل من دور الاستشاري، إلى دور المشارك في وضع التشريعات الاتحادية، أو إعادة الصياغة والنظر في ما هو مهم منها. وأعتقد أن هناك عدداً ممن شملتهم عضوية المجالس السابقة، على فهم ودراية وخبرة بهذه التشريعات الاتحادية، وكذلك التمييز بين ما هو صالح للاستمرار، وما هو قابل للتغيير والتطوير.

 

Email