أزمة الجزر تتصاعد بين موسكو وطوكيو

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثارت زيارة أناتولى سيرديكوف وزير الدفاع الروسي إلى جزر الكوريل المتنازع عليها بين روسيا واليابان ردود فعل يابانية غاضبة، خاصة وأنها ترافقت بتصريحات من مسؤولين في وزارة الدفاع الروسية حول إعادة تسليح وحدات القوات الروسية العاملة في جزر الكوريل، بحيث تتركز خطط تحديث هذه القوات على إدخال أنظمة الدفاع الجوي الحديثة، وإنشاء قاعدة جوية ذات شبكة متطورة من المطارات، ورفد أسطول البحر الهادئ بسفن وزوارق صاروخية. وذلك إضافة إلى نشر منظومات صواريخ «أس-‬400» و«بانتسير؟ س‬1»، إضافة إلى محطات رادار حديثة لمراقبة الأجواء لضمان تغطية كاملة للمنطقة، وواضح من حجم عملية التسليح هذه أن موسكو قررت إدخال هذه الجزر ضمن إستراتيجيتها العسكرية والأمنية، بعد أن ظلت منذ الحرب العالمية الثانية منطقة هادئة وخالية حتى من فرق أمن مكثفة.

وقد عاد العديد من المسؤولين اليابانيين ليؤكدوا أن جزر الكوريل التي تعرف في طوكيو بالأراضي الشمالية تعتبر أرضا تاريخية لليابان، وأعربوا عن استيائهم من زيارات القيادات الروسية لجزر الكوريل، معتبرين أن هذه الإجراءات تعود بالعلاقات بين موسكو وطوكيو لمرحلة الحرب العالمية الثانية وما بعدها، والتي خيم عليها حالة من التوتر. وقد يكون رد الفعل الياباني من الأسباب التي دفعت بعد ذلك إلى تصريحات هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية المتعلقة بأن روسيا لا تنوي نشر المزيد من القوات في جزر الكوريل، وانه لاتوجد خطط لتجهيز الوحدات العسكرية الروسية في جزر الكوريل بأسلحة ثقيلة، أو نشر صواريخ من طراز «س-‬400» في هذه منطقة.

لكن الدافع الرئيس لقرار موسكو كان مساعى جادة لتحسين العلاقات مع اليابان، ومحاولة لتخليص العقلية السياسية اليابانية من نظرية المواجهة والحرب الباردة، رغم أن موسكو ترى أن حقها المشروع حماية حدودها.

لقد رفضت الحكومة اليابانية اقتراح الرئيس دميتري ميدفيديف حول استحداث منطقة تجارة حرة في جزر الكوريل الجنوبية مع حفاظ روسيا على السيادة التامة عليها، وفق ما ورد في الرد الرسمي لمجلس الوزراء بناء على طلب من أحد نواب البرلمان الياباني. ما شكل عقبة حقيقة في طريق الحوار الهادي لمسألة اتفاقية السلام بدون شروط مسبقة. في وقت تعمل روسيا فيه على تحسين مستوى معيشة السكان في هذه الجزر عبر توفير فرص العمل المجزية لهم وتشجيع وجذب الاستثمارات الخاصة من داخل روسيا لهذه الجزر،وتطوير اقتصاد الإقليم ككل ليكون حلقة وصل اقتصادية بين روسيا وأسواق بلدان شرق أسيا.

وتصر الحكومة اليابانية على رفض مقترحات موسكو الخاصة بتوظيف استثمارات الشركات اليابانية فى هذه الجزر وممارسة كافة الأنشطة الاقتصادية فيها بحرية، على أن يكون ذلك بالتنسيق في إدارة شؤونها مع الجانب الروسي، والحفاظ على جزر الكوريل ضمن السيادة الروسية. ومن المعروف أنه بسبب هذا النزاع لم يتم حتى الآن توقيع معاهدة سلام بين روسيا واليابان على غرار المعاهدات التي وقعتها اليابان مع باقي دول التحالف.

وهذا يعني في القوانين الدولية أن روسيا واليابان مازالتا في حالة حرب، هذا على الرغم من حجم العلاقات الاقتصادية والثقافية بين البلدين، وحجم التجارة الخارجية بينهما والذي يقدر بمليارات الدولارات وينمو بشكل مستمر، كما أن روسيا تنوي إمداد اليابان بخط أنابيب للنفط على غرار الخط الممتد للصين من روسيا، ورغم هذا يؤثر عدم التوصل إلى تسوية تتعلق بمعاهدة السلام وجزر الكوريل، على العديد من الخطط لتنفيذ المشاريع الكبرى المشتركة والاستثمارات اليابانية الضخمة في الاقتصاد الروسي.

ويبدو واضحا أن موسكو تحاول رسم نهج جديد في منطقة آسيا، تلك المنطقة التي من المحتمل أن تصبح الساحة الإستراتيجية الرئيسية في القرن الحادي والعشرين. يختلف في مفاهيمه وجوهره عن مرحلة الحرب الباردة، وينتقل بالعلاقات الدولية لمرحلة التعاون وتبادل المنفعة. وربط ملف جزر الكوريل بمسألة الشرف أو النفوذ الوطني لابد وأن يدفع بالحوار لتسويتها إلى طريق مسدود، ويلغى كافة المعطيات التي يمكن أن تؤثر في تحقيق تقدم في المفاوضات الجارية حول هذا الملف.

فيما نلاحظ أن موقف طوكيو لا يحمل رؤية أو آفاق مستقبلية، ومازال يتعامل مع الوضع الجيوسياسي وفق رؤية الحرب الباردة التي ترى من جهة نمو تأثير الصين وتنامي التوتر في شبه الجزيرة الكورية، وتوسع نفوذ ونشاط روسيا من جهة أخرى. ولاشك أن تغير الظروف السياسية في وضع شرق آسيا ينتقل بهذه الأزمة من خلاف بين موسكو وطوكيو، إلى قضية تتعلق بمصالح أطراف آسيوية أخرى مثل الصين، ما سيجبر موسكو وطوكيو على إيجاد طرق لتعزيز مواقعهما، والأخذ بعين الاعتبار اهتمامات إستراتيجية لأطراف أخرى، وبالتالي تقلص مساحة المناورات أمامهما.

ويسود اعتقاد في موسكو بأن القيادة اليابانية رغم حرصها على تطوير العلاقات مع روسيا وإكسابها طابعا إستراتيجيا، تتعرض لضغوط داخلية من القوى السياسية، تدفعها لرفض حوار هادف لإيجاد تسوية. وعدم التجاوب مع مقترح سيرجي لافروف وزير الخارجية بتشكيل لجنة روسية ؟ يابانية تضم مؤرخين لبحث سبل تسوية أزمة جزر الكوريل. لكن الأمر لا يمكن تسويته دون حوار صريح من الجانبين بدلا من التعامل معه كورقة انتخابية.

Email