مأزق إسرائيل بعد ثورة مصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك أن إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة التزامه بكافة المعاهدات التي وقعتها مصر، قد أراح إسرائيل التي كانت متخوفة من أن تؤثر الثورة المصرية على معاهدة السلام الموقعة معها منذ عام ‬1978. ورغم ذلك فإن إسرائيل أصبحت في مأزق بعد نجاح هذه الثورة، ومن قبلها ثورة تونس في يناير الماضي. وهذا الأمر لا يرجع فقط إلى اختفاء حليف استراتيجي مهم لإسرائيل كالنظام المصري السابق، والذي كان يتمتع بعلاقات وطيدة مع معظم المسؤولين الإسرائيليين، ولا لأن بعض سياساته كانت تحقق مصالح لإسرائيل، مثل مساهمته في حصار حركة حماس في غزة، وما كانت تقوم به أجهزته الأمنية من تعاون وتبادل معلومات مع إسرائيل، وإنما يرجع الأمر إلى أن أحداث مصر وتونس، يمكن أن تؤثر على دور إسرائيل في الاستراتيجيات الغربية.

فكلنا يعرف أن العالم أجمع، كان يتابع وبتعاطف أحداث الثورة المصرية، وكان مبهورا بأداء الشباب المصري الذي نزل إلى الشارع احتجاجا على الأوضاع السيئة التي كان يعيشها شعب مصر، وكان أحد أسباب هذا الانبهار هو أداء الشباب الديمقراطي في ميدان التحرير، وأن معظم الذين خرجوا والذين نظموا أنفسهم عبر شبكات التواصل الاجتماعية، مثل «فيس بوك» و«تويتر»، كانوا من شباب الطبقة المتوسطة الذين ليسوا في نزاع أو أزمة مع العالم الغربي. وهذه المتابعة أنهت صورة ذهنية سيئة كانت مترسخة لدى الغربيين، حول تخلف العالم العربي وسيطرة التيارات الأصولية المتشددة على المجال العام فيه. وكان من أسباب ترسيخ هذه الصورة الذهنية، تأثير الدعاية الصهيونية المكثفة في الإعلام الغربي. وبناء على هذه الصورة، فإن إسرائيل تصبح هي واحة الديمقراطية والاعتدال وسط صحراء من الاستبداد والأصولية، ويصبح وجودها بهذه الصورة والانتهاكات التي تقوم بها لقواعد ومواثيق حقوق الإنسان، مبررة للحفاظ على المصالح الغربية، خاصة وأن الشعوب التي تنتهك حرياتها وحقوقها، تستحق ذلك وفقا للرأي السائد غربيا، لأن ثقافته السياسية تعادي حقوق الإنسان والديمقراطية، والحكومات المحلية تعامل شعوبها بصورة أكثر شراسة من معاملة إسرائيل للفلسطينيين.

وبالتالي فإن صورة العرب في العالم الغربي، تغيرت بسبب ثورتي مصر وتونس، وهو ما يمكن أن يفتح مجالا لتغيير أسلوب تعامل العالم الغربي مع قضايا العالم العربي المتعددة. ومن الممكن كذلك، أن تفتح تطورات الأحداث مجالا للتواصل بين الشباب العربي المتعلم تعليما غربيا، والذي يستطيع أن يتحدث ويتعامل بلغة العصر الحديث، والمتميز في التفاعل عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والشباب الغربي المنبهر بالتجربتين المصرية والتونسية، وهو ما ينذر بتغير النظرة الغربية لإسرائيل. وهذا يفسر جانبا من القلق الإسرائيلي مما حدث في مصر، لأنها تركز على الطابع الاستراتيجي للتحولات أكثر من تركيزها على الأمور الآنية، مثل مستقبل معاهدة كامب ديفيد.

وبالطبع، هناك جوانب أخرى تزعج إسرائيل في ما يتعلق بالثورة المصرية، فهي وإن كانت تدرك أن أي نظام سياسي مصري جديد، لن يقدم على إلغاء معاهدة السلام معها، لأسباب تتعلق بتوازنات القوى الراهنة في المنطقة، فهي تدرك أيضا أن كافة القوى السياسية المصرية لن تقدم على أي خطوات متقدمة تجاه عملية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو ما يعني أن علاقاتها بمصر ستظل في حدها الأدنى، وبالطبع فإن علاقات إسرائيل بتونس مرشحة هي الأخرى للتراجع بعد رحيل ابن علي، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى عزلة إقليمية لإسرائيل، ما لم تحدث اختراقا على صعيد عملية السلام، سواء في المسار السوري أو المسار الفلسطيني، خاصة وأن علاقاتها بتركيا تسوء مع مرور الوقت.

ومن الجوانب المهمة الأخرى في علاقات مصر بإسرائيل، هو أن الدولة العبرية كانت تتمتع بمعاملة تفضيلية خلال الفترة الماضية، حيث كانت اتفاقات بيع الغاز الطبيعي المصري لإسرائيل، تقضي بأن يكون بأسعار تقل بمقدار كبير عن الأسعار العالمية، وهو ما أثار استياء النخبة المصرية، كما كانت الحكومة المصرية أحياناً تدفع رجال أعمال مقربين منها لاستثمار أموال في إسرائيل، كوسيلة لكي تبدو علاقات البلدين طبيعية. ومن المرجح أن أي حكومة مصرية جديدة، لن تستمر في هذا النهج الذي كانت علية علاقات البلدين، كما يرجح أن تلغى اتفاقيات بيع الغاز أو أن يعاد النظر في أسعاره الراهنة، وهو ما سيؤثر سلبيا على الإسرائيليين. وتتخوف إسرائيل أيضا من أن تنحاز مصر لمعسكر الممانعة العربية، وإن كان ذلك مستبعدا في المستقبل القريب، ولكن ليس من المرجح أن تستمر سياسة مصر الإقليمية على حالها. وكل ذلك يعني أن على إسرائيل أن تراجع سياستها الإقليمية، وفقا لمعطيات جديدة تتطلب مراجعة معظم التفاعلات الإقليمية والتحالفات القديمة، التي لن تستمر على حالها في المرحلة المقبلة. وكانت مصر من الدول التي تقف بحسم ضد المشروع النووي الإيراني، وسعت إلى حشد تحالف إقليمي في مواجهته، وهو المشروع الذي يلقى معارضة كبرى من إسرائيل، وفي ظل الأوضاع المستجدة يمكن أن يحدث تعديل على السياسة المصرية في هذا الخصوص، بل يمكن أن تتغير سياسة مصر كليا تجاه إيران.

ومهما يكن فإن نجاح الثورة المصرية، ومعها الثورة في تونس ومجمل التطورات والمستجدات على الساحة العربية، قد جعل إسرائيل في مأزق كبير، يتطلب الخروج منه أن تحدث تعديلاً كبيراً ومراجعة عميقة لسياساتها الإقليمية وتفاعلاتها على أكثر من صعيد دولي.

 

Email