مأدبة الطعام وجمع شمل الأسرة الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كتابها الجديد «العشاء الأسري»، تتحدث صديقتي العزيزة «لوري ديفيد» عن أهمية أن تقوم الأسر بطقوس لتناول العشاء معا، وتعلل كيف أن عشاء الأسرة يتيح فرصة كبيرة للمناقشات الهادفة التي تدور حول الأخبار اليومية. تقول: «إن العشاء ينطوي على قدر كبير من المحادثة المستساغة، بالقدر نفسه الذي يتسم به الطعام الشهي».

هذه الفكرة أصابت وتراً حساساً لدي، فقد نشأت في أثينا، وتركزت حياتي المنزلية حول تناول الوجبات مع الأسرة، خاصة وجبة العشاء. فقد حرصت أمي، التي كانت طاهية على نحو لا يصدق، على تعبئة مائدة الطعام بقائمة طويلة من المأكولات.

فقد كانت المناقشات لا تنتهي مع والدتي وأختي «أغابي»، أثناء الجلوس على المائدة. وكنا نحن الثلاثة نتحاور عن أي شيء، وفي كل شيء، عن صديقاتنا وزملائنا في الدراسة والمدرسين، وبالطبع الأولاد. كنا نتناقش حول المشكلات الشخصية وآمالنا وأحلامنا، وأيضاً مخاوفنا. ونناقش الأحداث الجارية، ونتبادل الكتب التي ننتهي لتونا من قراءتها، أو الأفلام والمسرحيات التي انتهينا للتو من مشاهدتها.

كانت مائدة المطبخ المكان الذي بدأت تتشكل فيه وجهات نظري عن العالم، وكان هناك شيء مريح للغاية خلال وتيرة وجبات العشاء العائلية هذه. فقد كانت تتم على مهل، ولم نكن متعجلين، بمعنى التهام الطعام بسرعة، والانطلاق مسرعين إلى مكان ما.

في الواقع، لم يكن هناك مكان كنا نفضله على الجلوس على المائدة، نأكل أو نتكلم أو نضحك. كان ذلك على العكس من ثقافة الوجبات السريعة لدينا. وحتى عندما كانت هناك الواجبات القصيرة (كان هناك الواجب المنزلي الذي يتعين أداؤه، في نهاية المطاف!)، لم نكن نؤديها باستعجال. لم تكن هناك هواتف «بلاك بيري» الذكية، ولا أجهزة التلفزيون التي تدوي أصواتها في الخلفية. كنا جميعا حاضرين (كما قالت والدتي في وقت لاحق: «أنا أمقت تعدد المهام»).

وقد امتد اتصال والدتي الوثيق بالطعام، الذي كان يمثل بالنسبة لها وسيلة لإظهار الحب، إلى الطريقة التي تتحدث بها عن الطعام. وكانت تنزعج إذا ما قلنا إننا «سنختطف شيئاً ما لنأكله»، فكانت تقول: «الطعام ليس مجرد شيء ما يختطف، إنه طعام مهيأ للتذوق».

في الحقيقة، كما كتبت «لوري» في «العشاء الأسري»: «العشاء ينشر المحبة، وهو واحد من الدوافع الكبيرة من أجل بدء هذه الشعيرة الاجتماعية والحفاظ عليها، ويعتبر واحداً من الأسباب الرئيسة، أو سببا من بين كل عشرة أسباب، التي يصغي خلالها كل شخص إلى الآخر، عندما يتذكرون تناول العشاء مع الأسرة في أيام الطفولة».

وقد وصفت «أليس ووترز»، رائدة صناعة الأغذية الأميركية، هذا الوضع بشكل دقيق عندما قالت: «لم تكن والدتي طاهية جيدة، ولكنها واحدة من أكثر الذكريات التي أعشقها.. كنا ثلاثة أطفال، وكنا نترقبها وهي في المطبخ، تمسك قدرا كبيرا يطهى فيه التفاح. لم أكن أستطيع الانتظار حتى آكل صلصة التفاح هذه. إنها تجربة محبوبة لديّ».

لقد كانت أهمية العشاء الأسري، وتخصيص الوقت للتجمع سوياً، وتناول الطعام خلال اليوم، شيئاً كنت أدرك أنني أردت القيام به عندما رزقت بالأطفال. لذا، وحتى رغم أنه كانت لدي خطط عشاء لوقت متأخر من الليل، فقد كنت أهتم بتناول وجبة خفيفة قبل العشاء في وقت مبكر مع بناتي. ويظل ذلك أفضل وقت للحديث عن أيامنا، وخاصة التعرف على حياتهن اليومية.

هناك شيء ما سحري، يحدث عندما تتبادل الأحاديث على مائدة الطعام، بدلاً من تحديد نقطة معينة للاجتماع من أجل إجراء نقاش حول موضوع ما. فجميع أعضاء جسدك تكون مرتاحة. فالغذاء له تأثير مصل الحقيقة، والأمور التي يتم طرحها والتعامل معها خلال تناول الطعام، لا يتم تناولها في أي مناسبة أخرى..

ويعتبر عشاء العائلة مكاناً رائعاً للتعليم والتعلم، فالتعلم من خلال مأدبة العشاء لا يأتي من خلال مناهج تدريس، فهي أكثر الأشكال الطبيعية للتعلم. إنها وسيلة رائعة للتعرف على طريقة رؤية أطفالك للعالم من حولهم، وتتيح لهم استكشاف الكيفية التي ترى فيها العالم.

لذلك، فلتجمع عائلتك حول المائدة، وتستعيد العشاء الأسري، ولتجعل من الوجبات العائلية «وقتاً مقدساً»، كما تقول «لوري».. «موعداً لكي تجتمع الأسرة عن عمد.. موعداً خاصاً بك وبأسرتك.. موعداً في غاية الأهمية، بحيث لا يجرؤ أحد أن يعبث به».. دعونا نلتهم الطعام، ونبدأ الأحاديث.

مؤسسة ورئيسة تحرير صحيفة «هافنغتون بوست» الأميركية

Email