الإصلاح في دول الخليج العربية.. الإمارات نموذجاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

قرأت في الآونة الأخيرة كتاباً عن «الديمقراطية الخليجية».. واتخذ الكتاب من البحرين والكويت مثالاً للحركة الديمقراطية منذ الخمسينات من القرن الماضي، وإرهاصات هذه الحركة قبل هذا الزمن بسنوات قليلة.. والكاتب معروف محلياً باتجاهاته الفكرية الحادة.. وهذه الحدة جعلته يملأ كتابه بالشعاراتية والتنظيرية، التي كانت تعلو الخطابات السياسية للأنظمة الراديكالية العربية منذ الانقلاب العسكري في مصر، وما تلاه من الانقلابات في أماكن أخرى من العالم العربي؛ سوريا، العراق، واليمن جنوبها وشمالها.. الخ..

ولست ممن يدعون إلى الحجر على معتقدات الناس وآرائهم، فهم أحرار في ما يؤمنون به، حتى ولو خالف ذلك عموم الآراء السائدة، وعندي أن الحجر على الرأي هو كالحجر على الإنسان في معتقل انفرادي، لا يرى أحداً ولا يراه أحد، وضرر الحجر أكبر من نفعه.. ولكن هذه الحرية لا تعني أن تترك الآراء التي يشوبها شيء من عدم الاستقامة، كالدعوة الحادة إلى تغيير كل شيء في المجتمعات المحافظة، اتباعاً للنهج الذي تبنته العسكرتاريا الانقلابية من الشعارات التي لم يعد لها وجود في قاموس اللغة الحداثية المدنية في وقتنا هذا.. من قبيل المترادفات الممجوجة.. النضال.. الاشتراكية.. أذناب الاستعمار وعملاؤه.. الاتحاد الاشتراكي ـ قوى الشعب.. إلى آخر هذه المترادفات العسكرية التي أصبحت العودة إليها مؤذية للأسماع في المجتمع المدني.. وعدم الترك هذا، يعني أن تقابل هذه الآراء غير المستقيمة، بآراء أخرى مستقيمة وملائمة للتطور الاجتماعي والسياسي الذي يسود العالم، وتنبيه أصحاب هذه الآراء غير المستقيمة أنهم باتوا يغردون خارج السرب الحضاري والمدني.. ويمشون في طريق مهجور المسالك..

وليس حديثي هنا يتعلق بأية قراءات نقدية أقوم بها عادةً للكتب التي تصدر في الإمارات، أو تلك التي يكتبها الإماراتيون، ولكني أخذت موضوع الكتاب الذي أشرت إليه في مستهل الحديث، كمدخل للحديث عن الإصلاح السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، الذي تشهده منطقة الخليج، أو الدول العربية في هذه المنطقة، هذا الإصلاح الذي يعتبر في رأيي خير رد على الشعاراتيين.. الذين جلَّ همهم ينصب في البحث عن السلبيات، وغض البصر عن الإيجابيات العديدة التي حدثت في المنطقة خلال العشرين سنة الفائتة..

وإذا اتخذنا من الإمارات العربية المتحدة شاهداً على هذا التطور الإيجابي والسير إلى الأمام في درب التغيير السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي خلال الفترة المشار إليها، فترة العشرين سنة الماضية، فإننا لا نقول جزافاً، وإنما حقائق يراها المرء رأيَ العين، حيث أصبح هذا البلد نموذجاً صالحاً، ليس في منطقتنا الشرق أوسطية فحسب، بل في العالم المتطور، في حين أن المجتمعات التي انقلبت فيها الأوضاع السياسية على يد العسكر والمنادين بالشعاراتية الراديكالية، رجعت إلى الوراء في جميع المجالات، ولم يعد هناك سبيل للمقارنة بين ما حدث في هذه المجتمعات، وما أصاب دول الخليج من التطوير الإيجابي..

ومن الغريب أن الشعاراتيين، ومن لف لفهم، لا يأخذون الجانب الاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي الجانب الإنساني المتطور بعين الاعتبار، بل يلجأون دائماً إلى الشعارات السياسية، حيث تغيرت لهجاتهم الآن ـ مسايرةً لروح العصر ـ إلى الديمقراطية والنيابية والتعددية، إلخ.. في تداول السلطة.. وعندي أن هذا الإغفال للجانب الاجتماعي والاقتصادي، فيه من التعسف في الرأي الشيء الكثير، حيث أن الجانب الاقتصادي والاجتماعي هما من أهم الأمور المعيشية التي يحتاجها الإنسان في حياته اليومية، وتحقيقهما من الأولويات لحياة أي فرد في أي مجتمع، وهما في رأيي الإصلاح الحقيقي الذي يُظهر قدرة القيادة لأي شعب على تبني الإصلاح المطلوب..

فنحن في هذا الوطن الصغير في الحجم، والكبير في تطلعات أهله، نصبو إلى أن تعمل القيادة فيه لتحقيق الرفاه المعيشي للمواطن وللمقيم على أرضه، أو بالأحرى السير في الطريق الذي رسمته لنفسها، لتحقيق المزيد من الرفاه.. وعلى كل مواطن واعٍ، وكل مقيم واعٍ، أن يُقدِّر ما تحقق وما يتحقق، وبهذا التقدير تُستَحث الهمم لتحقيق المزيد من الخير لنا وللغير، في ظل مجتمع مدني آمن، محصن من الخوف، والجهل، والفقر، والمرض، وهي الآفات التي يعمل المصلحون من أجل القضاء عليها، وهي التي تهم الإنسان العادي أكثر من نداءات؛ يحيا فلان، ويموت علان.

Email