روسيا وأنبوب الغاز المصري إلى إسرائيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

يأتي حادث انفجار أنبوب الغاز الممتد من مصر إلى إسرائيل ليثير تفاعلات جديدة في أسواق الغاز العالمية، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، وذلك نظرا لأن هذا الانفجار وراءه دوافع سياسية وأنه وفق الاحتمالات المطروحة وقع بفعل فاعل وليس لأسباب فنية، كما يدعي البعض.

ومن المعروف أن مصر تدخل كعضو أساسي في منتدى الغاز الدولي الذي أسسته روسيا ودولة قطر مع مجموعة من الدول المصدرة للغاز في العالم، الأمر الذي ربما يفرض على هذا المنتدى أن يعقد اجتماعا عاجلا لمناقشة هذا الحادث بالتحديد، خاصة وأن مسألة تصدير الغاز لإسرائيل مطروحة منذ أكثر من ثلاثة سنوات.

وتدخل روسيا طرفا أساسيا فيها، ونذكر هنا أنه في شهر مايو عام ‬2009 وبعد ثلاث سنوات من المباحثات والمد والجزر بين إلحاح إسرائيلي ورفض روسي تدخلت تركيا لإقناع روسيا بتصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل، وكانت العلاقات بين أنقرة وتل أبيب جيدة للغاية ولم يكن قد وقع حادث « الاعتداء على أسطول الحرية» بعد.

وكانت شركة غاز بروم الروسية ترفض منذ البداية هذا الأمر لأسباب معلنة في شكلها فنية وتجارية بحتة، لكن كان الجانب السياسي موجود أيضا، أما بالنسبة للأسباب الفنية فقد كان الأمر يستلزم مد خط أنابيب خاص من تركيا لإسرائيل، وهناك خط أنابيب يأتي من روسيا عبر قاع البحر الأسود لتركيا، ويسمى خط «التيار الأزرق» وهو خط قديم منذ بداية التسعينات، وطاقة هذا الخط محدودة لتغطية السوق التركية فقط.

وعندما اقترحت إسرائيل على الشركة الروسية مد فرع من خط التيار الأزرق إلى إسرائيل رأت الشركة الروسية أن هذا الأمر غير مجد ومكلف للغاية، خاصة وأن الأنبوب الذي سيصل لإسرائيل سوف ينتهي عندها ولن يمتد منها إلى أي مكان في العالم نظرا للظروف السياسية والأمنية بين إسرائيل وجيرانها المحيطين بها من العرب، ولهذا فإن عائد الغاز الذي ستستلمه إسرائيل لن يغطي تكلفة هذا الخط الجديد إلا بعد سنوات طويلة.

وبعد إلحاح شديد من تركيا وزيارات متتالية لموسكو من مسئولين إسرائيليين أعلن رئيس شركة غاز بروم الروسية أليكسي ميللر أثناء زيارته لتركيا في أبريل ‬2009 أن الشركة وافقت على مد خط التيار الأزرق من تركيا إلى إسرائيل، ونجحت الوساطة التركية لإقناع روسيا بمد خط أنابيب لنقل الغاز الروسي لإسرائيل، خاصة بعد أن أجرى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو اتصالا تليفونيا مع رئيس الوزراء الروسي فلاديمر بوتين ووعد فيه بمشاركة إسرائيل في التكلفة المالية لإنشاء خط نقل الغاز الروسي إليها، وهذا أمر هام للغاية بالنسبة لشركة غازبروم الروسية التي لا تريد تأسيس خط خاص يصل لدولة واحدة دون غيرها.

الاتفاق على توصيل الغاز الروسي لإسرائيل كان يعتبر إنجازا كبيرا للحكومة الإسرائيلية، خاصة وأن حاجة إسرائيل من الطاقة تتزايد باستمرار، ومواردها من الغاز تأتيها من جارتها مصر بكميات قليلة، وأيضا تعاني إسرائيل من رفع الجانب المصري لأسعار الغاز بحجة تعرض النظام في مصر لضغوط شعبية من المعارضة المصرية التي ترفض تصدير الغاز لإسرائيل بأسعار أقل بكثير ليس فقط من السعر العالمي بل عن سعر استهلاك الغاز داخل مصر نفسها، ولهذا تعتبر إسرائيل الغاز الروسي أكثر ضمانا واستقرارا بالنسبة لها.

وكانت روسيا تتوقع من خلال هذا المشروع أن تحقق مصالح سياسية وإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط عن طريق تطوير علاقاتها مع إسرائيل، خاصة وأن موسكو لا ترى أي حماس من جانب العرب لتطوير التعاون معها في أي مجال من المجالات، وترى أن إسرائيل أصبحت بوابة للتعاون، ليس فقط مع واشنطن بل أيضا مع دول أخرى، ومنها دول عربية. وكاد الاتفاق بين روسيا وإسرائيل أن يتم بالفعل ويدخل حيز التنفيذ.

ولكن فجأة، وبعد تصاعد الخلافات بين تركيا وإسرائيل بسبب الاعتداء الإسرائيلي على سفن قافلة الحرية المتوجهة إلى غزة، تداركت روسيا الموقف لتعيد النظر في بيع الغاز لإسرائيل، وأعلن رئيس الوزراء الروسي بوتين في يونيو الماضي عن عدول روسيا عن مشروع تصدير الغاز لإسرائيل، ورغم أن بوتين صرح بأن قراره ليس له صلة بأزمة الاعتداء على أسطول قافلة الحرية، إلا أنه عبر عن استنكار روسيا الشديد لما فعلته إسرائيل قائلا: «إن مثل هذا الخرق الفظ للقوانين والأعراف الدولية المعترف بها أثار قلقا عميقا لدى روسيا».

الآن، ومع تطور الأحداث في الشرق الأوسط، وبعد حادث تفجير أنبوب الغاز المصري المتجه لإسرائيل، ومع قلق إسرائيل الحاد مما يحدث على الساحة المصرية وعدم وجود ضمانات أكيدة لاستمرار علاقاتها بمصر على ما كانت عليه، وبعد أن أصبح خط الغاز المصري لإسرائيل مرصودا ومعرضا للخطر، فإنه من المتوقع أن تعود إسرائيل لتلح على روسيا بشدة لتصدير الغاز إليها وتنفيذ المشروع المتفق عليه من قبل،.

ولكن ليس من المتوقع أن توافق روسيا على هذا، خاصة وأن اهتمام روسيا بمصر وبالمنطقة العربية سوف يزداد مع تطور الأحداث، كما أن عضوية مصر في منتدى الدول المصدرة للغاز سوف تمنع روسيا من القفز لاحتلال أو شغل سوق كانت تشغلها مصر، وإلا تسبب هذا في حدوث شرخ في منتدى الغاز الذي تريد له روسيا البقاء والنمو، الأمر الذي يتوقع معه أن تواجه إسرائيل مشاكل كثيرة في مجال الطاقة.

Email