بر المحروسة وأرض الكنانة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقول بعض الناس إن ما يجري في مصر، هو شأن مصري داخلي، وان المصريين قادرون على حل مشاكلهم.. العبارة الأخيرة صحيحة.. فالمصريون مؤهلون، ليس لحل مشاكلهم الداخلية فحسب، بل والاشتراك في حل مشاكل غيرهم أيضاً، ولكن عبارة ما يدور في مصر هو شأن داخلي مصري، ليست قريبة من الواقع، فمشكلة مصر هي مشكلة العرب عامة، بل مشكلة سائر بلاد المسلمين، فمصر تمثل للأمة العربية والإسلامية قلبها النابض، وهي أهم دولة وشعب في هذه المنطقة التي نعيش فيها، فإذا ألمَّ بمصر خطب، تداعت له سائر الأجساد بالسهر والحمى..

وقال أحمد أمين شاعر الإمارات وأديبها، ينادي أهل وادي النيل..

يا جيرة النيل والتاريخُ يجمعنا

على صعيد من الإسلام إخوانا

إن سال جرح لكم أنّت جوانحنا

هماً، وذبنا لكم غماً وأحزانا

وقرأت، في الأيام الأخيرة تعليقات كثيرة عمّا يجري في مصر، ورأيت على الشاشات الفضائية كيف يتصرف المناوئون للنظام في مصر، وكيف يقابلهم الموالون، ورأيت الإيجابية في موقف، والسلبية في موقف آخر، ورأيت الشيء الكثير من الانتهازية، وتحيُّن الفرص، وركوب الموج، حتى من بعض من كانوا وما زالوا من رحم النظام نفسه، وعلى أكتافه وصلوا إلى ما هم فيه من مكانة، وحتى أمين الجامعة العربية اشترك في مظاهرة مناوئة، بالرغم من أنه لا يجوز له ذلك من باب العُرف الدبلوماسي على الأقل، ناهيك عن الأعراف الأخلاقية.. فهو كان قطباً في هذا النظام (وزيراً للخارجية)، والرئيس حسني مبارك هو الذي أوصله للمنصب الذي هو فيه.. كل هذه المعمعة لسنا بصدد حديث خاص عنها، فالمصريون، كما قلنا، أعلم من غيرهم بشعاب مشاكلهم..

وفي الأيام الأخيرة تلقيت رسالة الكترونية من كاتب إماراتي وصديق عزيز، وهذا الكاتب ذو باع طويل في التحليل السياسي والاجتماعي، وكلامه يخلو من التنظيرية في معظم ما يطرحه من رأي، ولا أتردد أن أصنفه بين الكُتّاب المعتدلين في العالم العربي، ومن ذوي الآراء السديدة..

وقد استوقفني بعض العبارات التي وردت في رسالته الإلكترونية هذه، كقوله إن العرب اكتشفوا أنه ليس بالأمن وحده يحيا الإنسان.. وأن الشعب قادر على حفظ أمنه حتى لو غابت أجهزة الأمن!.. وبهذا يعلِّق على ما قيل من أن أفراداً من الناس تولّوا حراسة ممتلكاتهم وممتلكات غيرهم..

لا أعتقد أن ما يقوله الأخ الكريم دقيق، فالأمن لا بد أن يكون له جهاز يسيّره، وإذا ترك حبل الأمن على غاربه، فأمر الناس لا يكون على ما يرام.. والشاهد على ذلك؛ أن ما حدث في مصر من الفوضى والاعتداء على أموال الناس وأعراضها، جاء في غياب الأمن وانفلاته، واستغل الفوضويون هذا الفراغ الأمني، ليقوموا بما قاموا به من هذه الأعمال غير السوية.. أما القول بأن جهاز الأمن هو الذي حرّض هؤلاء الفوضويين على عملهم هذا، فهو قول مرسل لا برهان عليه، ويصدر من المناوئين، ويحتاج إلى تحقيق محايد.. كما أن القول بأن الناس أو المتظاهرين المناوئين هم من حافظوا على الأمن، يفتقر إلى دليل..

كل ما أريد قوله في هذا التعليق هو، أن العهد «المباركي» ليس كله سيئاً، ففيه من الإيجابيات ما ينبغي أن يُحسب له.. لقد تحققت في مصر في هذا العهد، الحريات الاقتصادية والاجتماعية، وجانب كبير من الحرية السياسية.. ناهيك عن الاستقرار والأمان.. وبالمناسبة، لا ينبغي أيضاً أن يجانبنا الإنصاف عندما نحاول أن ندرس جوانب السلب والإيجاب، وخاصة إذا كانت هذه الدراسة يتم إعدادها من قبل أساتذة أكاديميين، من أمثال الأخ الفاضل صاحب الرسالة المشار إليها، لأن الكاتب الأكاديمي معناه الكاتب المنهجي، والمنهجي يأخذ عادةً من الأقوال أحسنها.. وأحسنها ما يقوم عليه الدليل.. ولا يصدر عن انفعال تولده أزمة أو مفاجأة..

 

كاتب إماراتي

Email