دائماً عندما كنت أشارك في الحضور في أعمال مؤتمر أو ندوة وخاصة إذا كانت في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، دائماً ما كان يلفت نظري منصة الحضور وقد اكتظت باستضافة أسماء ووجوه رجال ونساء كبار في السن بحكم إنهم أصحاب علم ومعرفة وخبرة ودراية، ودائماً كنت أرددّ بيني وبين نفسي لماذا الشباب مغيّب عن حضور مثل هذه الندوات والمؤتمرات؟ لماذا لا يعطى الشباب فرصة التحدث بجانب هؤلاء الكبار أصحاب الخبرة والمعرفة جنباً إلى جنب ليكون صوت الحاضر والمستقبل بجانب صوت التاريخ والخبرة والمعرفة، كيف سيتم نقل الخبرة التاريخية إذاً ومزجها بالحاضر إذا كان صوت الطرف الآخر المهم مغيب ولا مكان له؟ القضية الأخرى التي كانت تغيظني باستمرار عندما كنت أرى طاقات الشباب مهدرة في قضاء أوقات فراغ طويلة في أمور لا جدوى منها أبداً، ولكنها أتت كنتاج ووفرة طبيعية لطبيعة المجتمعات المادية الاستهلاكية التي نعيشها اليوم، بالإضافة كذلك إلى طبيعة الإعلام الهزلي الذي تتسابق الفضائيات وللأسف الرسمية منها في تقديمه كوجبة سريعة تساعد على الشبع الظاهري دون أن يكون هناك ارتواء معنوي أو فكري، تماماً على غرار وجبات الفاست فود التي توحي بالشبع والانتفاخ السريع دون أن يكون هناك فائدة غذائية ترتجى منه، ولا أدري إذا كان هذا التسطيح يمارس بطريقة متعمدة من قبل الأنظمة لتهميش هذه الفئة وبقائها ترزح تحت براثن الخواء والجهل؟
كتبت ذات مرة في إحدى المقالات متسائلة لماذا بعض الحكومات العربية تسعى إلى تغييب وتهميش دور طلبة الجامعات، أصوات الحاضر وأدوات التغيير في المستقبل، ففي حين أن الدول الغربية والمتقدمة وبعض الدول الشيوعية والثورية في الشرق تسعى إلى الاهتمام بطلبة الجامعات وبالتنظيمات الطلابية وذلك من خلال إلقاء خطبها والترويج لمشاريعها وحملاتها الانتخابية في محاريب الجامعات ومن أمام منابرها وكأنها تسعى إلى كسب رضا هؤلاء الشباب والأمثلة على ذلك كثيرة لا تعد ولا تحصى، باستثناء بعض الحكومات العربية التي نادراً ما تهتم أو تلتفت إلى هذه الطاقات الشبابية، فكان يتم معاملة هؤلاء الشباب إما كالدمى التي لا ينتظر منها شيئاً أو بالضرب بالعصي على الرؤوس خاصة إذا ما ظهر هؤلاء الشباب في فعاليات داعمة لإخوانهم المنتهكة حقوقهم هم الآخرين في مشارق أو مغارب الوطن العربي.
كذلك يؤخذ على الأحزاب المعارضة عدم اكتراثهم بالطاقات الشبابية ومحاولة الاستهزاء والاستهتار بهذه الطاقات وذلك باستيلائهم على مقاعد الأحزاب وعدم محاولتهم دمج الشباب في أطروحات تلك الأحزاب أو تجديد هياكل الأحزاب بدماء جديدة، بل ما ينطبق على الأنظمة الحاكمة من محاولة إقصاء واستحواذ ينطبق على قيادات الأحزاب تماماً.
أهم ما يمكن استخلاصه من عبر من خلال حركات الشباب اليوم هو ضرورة إعادة صياغة بعض الوسائل المتبعة في الإدارة والاستقطاب والتي يجب أن تبنى على الثقة بالشباب وعلى قدرته بأن يكون شريكاً حقيقياً في صناعة القرار وخلق وعي مجتمعي مؤثر في ذلك القرار، فلا بد من تغيير النظرة المجتمعية للشباب بأنهم طائشون وغير مسؤولين ولا يستطيعون تحمل الصعاب بل لا بد من إعادة دمجهم في عملية صنع القرار من خلال الحضور والتفاعل والتأثير، كذلك لا بد من إشراك الشباب في المشاريع المختلفة للدولة وهذا يستدعي التوعية والتثقيف والمكاشفة بأي أهداف استراتيجية بعيدة أو متوسطة المدى، فلا بد أن تعي اليوم الحكومات أن الشباب يعيش طفرة تقنية جعلت المعلومات تتدفق بسهولة وفي متناول اليد، وتعتبر هذه التقنيات اليوم أهم أداة من الأدوات التي أشعلت الثورات التي نراها اليوم، فلابد إذاً من إعادة استيعابها من جديد. كتب أحد الأساتذة العرب ذات مرة عن لقاء جمعه بأحد قادة حزب العمال البريطاني، وكان يحدثه عن النقلة التي حدثت لحزب العمال إبان فوزه الأول الساحق على حزب المحافظين، يقول المتحدث انهم اعتمدوا على استراتيجية تقديم الشباب والمرأة في مواقع قيادية في الحزب، هذا هو سر تقدمهم، واليوم الشباب هم سر مفتاح التغيير والإصلاح في الوطن العربي، فتحية إلى أولئك الشباب الذين استطاعوا أن يعيدوا الاعتبار إلى الوطن العربي بعد أن رزح هذا الوطن تحت أدبيات الهزيمة والضعف فترة طويلة من الزمن.
كاتبة إماراتية