قراءة في خطاب أوباما عن حادث أريزونا

ت + ت - الحجم الطبيعي

استخدم الرئيس الأميركي باراك أوباما خطابه البارز، في تاكسون في ولاية أريزونا، ليس فقط كوسيلة لتضميد الجراح والتنفيس، ولكن أيضا كتحدٍ لنا جميعاً. وأوضح أنه لا توجد صلة بين هذه المأساة والسياسة التي سبقتها، ولكنه وضع نقطة فاصلة ترسم علاقة مباشرة بين إطلاق النار، والسياسة التي يجب أن تأتي بعد ذلك. وقال: «الخسارة المفاجئة تجعلنا ننظر إلى الوراء، ولكنها تجبرنا أيضاً على أن ننظر إلى الأمام، للتفكير في الحاضر والمستقبل، بالطريقة التي نعيش بها حياتنا، ونعزّز علاقاتنا مع الذين لا يزالون إلى جانبنا». وأمام أوباما فرصة للبناء على الأساس الذي وضعه في تاكسون.

كان هناك موضوع محاك من خطاب تاكسون، وهو الموضوع الذي حدده الرئيس الأميركي بشأن «ما هو مطلوب منا لكي نمضي قدماً، بخلاف الصلوات والتعبير عن القلق». بلغ موضوع الخطاب ذروته، عندما ركز الرئيس خلاله على الإشارة إلى أصغر ضحية في الحادث، وهي الطفلة الأميركية «كريستينا تايلور غرين» البالغة من العمر ‬9 سنوات.

فقد رسم صورة حية لها، واصفاً إياها براقصة ورشيقة وسباحة، وطالبة عضوة في مجلس الطلاب في مدرستها، ومتطوعة في جمعية خيرية تساعد الأطفال ذوي الاحتياجات، والفتاة الوحيدة ضمن فريقها في الدوري الأميركي. وكان التحدي أمام أوباما، في ما يتعلق بأميركا، هو أن «يرقى إلى مستوى توقعاتها»، معلنا أنه يريد لأميركا «المستوى الطيب الذي تتخيله».

ومن هذا المنطلق، ألا تكون الوسيلة لتكريم كريستينا وروحها اللطيفة السعيدة، هي الرعاية الكافية لجميع من في سنها من الفتيات الصغيرات، اللاتي مازلن على قيد الحياة، ولكنهن محاصرات في حياة من اليأس والتشريد والجوع، وملتحقات بمدارس دون المستوى، ويعشن في المدن الداخلية التي يتفشى فيها العنف العشوائي بشكل يومي؟

تقدم الإحصاءات قصة مثيرة للحزن، فوفقا لمؤسسة «كايسي»، هناك أكثر من ‬20٪ من الأطفال في أمريكا، بما يزيد عن ‬14,5 مليون طفل، يعيشون في فقر مدقع. وتشكل هذه النسبة حوالي ‬23٪ من الأطفال في ولاية أريزونا التي كانت تعيش فيها كريستينا، وهم ‬398 ألف طفل يعيشون في ظروف من شأنها الإضرار بصحتهم وأدائهم الدراسي وفرصهم في المستقبل.

وهناك أكثر من ‬16,7 مليون طفل يعيشون في أسر تكابد من أجل توفير الطعام، والأطفال «غير المؤمنين غذائياً»، وأداؤهم في القراءة والرياضيات متدنٍّ، ويعانون معدلات أعلى من القلق والاكتئاب.

كما أن أكثر من مليون ونصف المليون طفل أميركي، بمن فيهم ما يقرب من ‬33 ألف طفل في ولاية أريزونا، لا مأوى لهم، ويجدون أنفسهم مجبرين على مكابدة انعدام «السلامة والراحة والخصوصية، والرعاية الصحية غير الكافية، والتعليم غير المتواصل، والافتقار للعلاقات العائلية الحميمة، وعدم الشعور بالانتماء للمجتمع»، على حد قول المركز الوطني للتشرد الأسري.

وتزداد المشكلات سوءاً، فقد ارتفعت نسبة الأطفال الذين يعيشون في أسر منخفضة الدخل، من ‬39٪ في عام ‬2000 إلى ‬42٪ في ‬2009. وسوف يصل عدد الأطفال المتضررين بشكل مباشر من أزمة السكن وحبس الرهن، إلى مليوني نسمة.

فما هو قدر المشقة التي سنكابدها من أجل «توريث الحلم الأميركي» لهم؟ على حد قول الرئيس أوباما، هل سيتمكنون من الحصول على مستوى تعليم جيد إذا زادت أعدادهم في مسابقات الالتحاق بالمدارس؟ هل سيضطرون للانتقال إلى ملاجئ للمشردين، بسبب عمليات حبس الرهن التي كان يمكن تجنبها؟ هل سيضطرون إلى التعامل مع أب أو أم يعانيان من حالات اكتئاب عميقة بسبب فقدان وظائفهم، ولا يستطيعون الحصول على وظيفة أخرى؟

بالتأكيد، ليست هذه أميركا التي كانت تتصورها كريستينا، ولكنها أميركا التي يعيش فيها ملايين الأطفال. إنها أميركا التي يمكننا أن نغيرها، في الوقت الحالي. ويحدوني الأمل في أن يكون خطاب حال الاتحاد بمثابة خريطة طريق جديدة لهذا التحول.

إن القيادة ليست مسألة تتعلق بتوافق الآراء القائم، بل هي مسألة بناء توافق جديد في الآراء حول رؤية المستقبل، وهو الاتجاه الذي تحتاج أميركا الانطلاق إليه.

المسؤولية ليست ملقاة على كاهل الرئيس الأميركي فحسب، فلدى كل واحد منا دور ليلعبه، كما أوضح ذلك أوباما في تاكسون، وذلك من خلال استخدام هذه المناسبة «لشحذ غرائزنا نحو التعاطف، وأن نذكـّر أنفسنا بشتى السبل، أن آمالنا وأحلامنا مرتبطة بعضها ببعض».

 

Email