«بولشوي بتروليوم» يرعب واشنطن

ت + ت - الحجم الطبيعي

من كان يصدق أن يأتي اليوم الذي يشكل فيه عملاق النفط العالمي «بريتش بتروليوم» تحالف استراتيجي عالمي مع شركة نفط روسية حكومية، هي شركة «روس نفط»، إنه، في رأي الخبراء الدوليين، الحدث الأكبر في قطاع النفط منذ بداية القرن، ولقد كان لهذا الحدث تداعياته السياسية أكثر من الاقتصادية، والتي مازالت تتردد حتى الآن، خاصة في واشنطن التي أصابها الاتفاق بذعر شديد، وكتبت الغارديان البريطانية تقول «إن هذا التحالف يواجه شعوراً أميركياً بالعداء والتشكك»، وفي واشنطن تواجه الإدارة الأميركية طلبات عدة بعدم السكوت عن هذا الاتفاق وضرورة بحث أبعاده جيداً باعتباره يمثل خطراً على الأمن القومي الأميركي، وقال رئيس لجنة الطاقة التابعة لمجلس النواب مايكل بيرغيس إن بريتش بتروليوم (بي بي) هي أكبر مزودي الطاقة للجيش الأميركي، وتساءل إن كانت الاتفاقية تنطوي على أي محاذير أمنية، وأشار بيرغيس أيضاً إلى أن بي بي تقوم بالإشراف على خطوط نفط تعبر ألاسكا، وأن الفرع الأميركي للشركة البريطانية يعتبر شركة أميركية، ووصلت حدة غضب رئيس لجنة الطاقة بيرغيس إلى حد تشبيه الاتفاقية بالمساعي التي بذلتها من قبل شركة تابعة لدبي العالمية لإدارة موانئ أميركية، وطالب بإجراء تحقيق من جانب الحكومة الأميركية في الاتفاقية بين بي بي وروس نفط.

وداخل الكونجرس اشتعل الجدل حول الاتفاق الذي يتصور البعض أنه خطة روسية لاقتحام أسواق الطاقة الغربية من أكبر وأهم وأقدم أبوابها، وهي الشركة العملاقة بريتش بتروليوم، ووقف عضو الكونغرس إيد ماركي يهاجم الاتفاق ويشكك في نوايا روسيا؟ معتبراً أن أهداف الاتفاق سياسية أكثر منها اقتصادية، وختم ماركي كلامه بسخرية قال فيها «إن بي بي تعني حالياً ليس بريتش بتروليوم ولكن بولشوي بتروليوم» ? نسبة إلى مسرح البولشوي الروسي الشهير.

ولكن ما هي تفاصيل هذا الاتفاق أو التحالف الذي سبب كل هذه الضجة؟

التحالف سيعطي حصة ‬5٪ للشركة الروسية لدى البريطانية، بينما تزيد الأخيرة حصتها إلى ‬10,8٪ من ‬1,3٪ لدى نظيرتها الروسية، وطبقاً للاتفاقية فإن الكرملين سيكون له حصة في عمليات بي بي العالمية التي تمتد من ألاسكا إلى خليج المكسيك وشمال أفريقيا وأذربيجان وبحر الشمال، وسوف يمتد التعاون بين الجانبين ليشمل مشروعات في شمال شرق سيبيريا وحتى إلى مصافي النفط بألمانيا. وستقوم الشركتان بإنشاء مركز قطبي للتكنولوجيا لتطوير تقنيات استخراج النفط.

ويرى مراقبون إن مع هذا التحالف بين بي بي وروس نفط الروسية سيكون من الصعب على أي شركة أخرى السعي للاستحواذ على بي بي التي تقوم حالياً ببيع بعض أصولها لمواجهة الخسائر والتعويضات التي تكبدتها بسبب التلوث بخليج المكسيك من جراء تسرب النفط من أحد آبارها هناك.

الأخطر والأهم في هذا التحالف أنه سيتولى العمل بالقطب الشمالي في منطقة تصل مساحتها إلى ‬125 ألف كيلومتر مربع ما يوازي حجم بحر الشمال كله، وهي منطقة غنية بالنفط، أي أن التحالف سيعمل في حقول الطاقة في منطقة الجرف القارِّي الروسي من المحيط المتجمد الشمالي، وهي مناطق مازالت عليها خلافات حادة بين الدول الخمس الواقعة على القطب الشمالي ومنها روسيا، وليست منها بريطانيا، ولا دخل لشركة «بي بي» بها، الأمر الذي سيفتح أمام الشركة آفاق لم تكن تحلم بها، وهذا بالقطع سيشعل غضب شركات النفط العالمية الأخرى، وخاصة الأميركية منها.

وقد أولت الحكومة الروسية اهتماماً واضحاً لهذا الاتفاق، حيث توجه رئيس الوزراء فلاديمير بوتين بنفسه إلى لندن لحضور توقيع الاتفاق، وقال بوتين، أثناء لقاء له مع روبرت دادلي رئيس شركة بريتيش بتروليوم «إن الحكومة الروسية تدعم هذه الشراكة التي ستعمل في منطقة تصل احتياطياتها إلى ‬5 مليارات طن من النفط وحوالي ‬10 تريليونات متر مكعَّب من الغاز، وتتطلب استثمار عشرات المليارات من الدولارات».

الحكومة البريطانية من جانبها رحبت بالاتفاق رغم الاعتراضات الحادة عليه من المعارضة البرلمانية ومن جهات بريطانية أخرى، واعتبرت الحكومة الاتفاق بمثابة طوق إنقاذ لقطاع الطاقة البريطاني الذي تكبد خسائر فادحة في أزمة التلوث في خليج المكسيك، وزير الطاقة البريطاني كريس هوهني، الذي حضر مراسم التوقيع على التحالف في لندن، قال «إن روسيا تمثل نحو خمس إنتاج الغاز بالعالم و‬13٪ من إنتاج النفط، ويعتبر وضعها هذا مهماً جداً لقطاع الطاقة في بريطانيا، وخاصة لشركة بريتش بتروليوم التي تحاول أن تخرج حالياً من فترة صعبة بتاريخها».

هذا الاتفاق في النهاية بكل أبعاده الاقتصادية والسياسية، إن دل على شيء، فإنما يدل على تقدم موقع روسيا على الساحة الدولية سياسياً واقتصادياً، فقد أصبحت بالفعل محل ثقة لعمالقة احتكارات الطاقة العالمية الذين باتوا يثقوا فيها وفي التعامل معها عن قرب، كما يدل الاتفاق على تعافي الاقتصاد الروسي من الأزمة العالمية واحتلاله مكانة متقدمة وسط كبرى الاقتصادات العالمية.

Email