الحماس للتغيير السياسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

غالبية الناس في كل أنحاء الدنيا يتحمسون للتغيير السياسي في أي مكان، حتى ولو أقرّت النسبة الأكبر من الغالبية أن الوضع القائم وضع حسن، وأنه يتطور إلى الأمام للصالح العام. ونحن هنا نتحدث عن التغيير القسري الذي يقع في البلدان غير المتقدمة سياسياً، مقابل القسرية التي اعتقد المتحمسون للتغيير أنها وقعت من السلطة الإدارية في مجتمعاتهم.

أما البلدان المتقدمة فالتغيير فيها معروف، ويقع بإرادة من السلطة الرقابية، وهي؛ المجالس والبرلمانات المُنتخبة من الناس، دون ترغيب تعسفي أو ترهيب تعسفي، والسلطة أو الإدارة في هذه البلدان تعرف مسبقاً أن عليها خلال فترة زمنية محددة، أن تفسح المجال لغيرها في عملية منظمة، ومتفق عليها لتداول السلطة.

والحديث هنا عن التغيير، التغيير في مناطقنا الشرق أوسطية، والمناطق القريبة منها، التي تربطنا بها روابط من الثقافة المشتركة.. وآخر هذا التغيير ما وقع في تونس، البلد الشمال إفريقي، والعضو في الجامعة العربية.. والسؤال: هل من الأنفع أن يجرنا الحماس ونرفع أصواتنا، وبالتهليل لما وقع في تونس حالياً، كما هللنا لما وقع لغيرها سابقاً من التغيير السياسي؟.. وهل سيأتي هذا التغيير بالأفضل والأحسن؟

من الصعب أن نؤكد أن التغيير هذا إلى الأفضل، ومثل هذا السؤال من الأحرى أن يُوجه لأهل تونس، فأهل تونس أدرى بشعابها.. ولكن نحن والتونسيون وغيرهم نشترك في ما تركته لنا التجارب الإنسانية من النتائج المبنية على التغيير في الأوضاع، وتداعيات هذا التغيير، وما آل إليه هذا التغيير بعد ذلك من حسن ومن سوء.

في خلال الستين عاماً الماضية التي عاشها جمعٌ غفيرٌ من المخضرمين في هذه المنطقة، لا يستطيع أحدهم أن يقول لنا إن التغيير أتى بالأفضل، أو أتي على الأقل بالحسن.. ونحن لا نتحدث عن طبيعة التغيير الذي حدث بالجبر، لأن المتسلط نفسه إما أتى بالجبر، أو كان يقود البلاد بالجبرية.. ولكننا نتحدث عن النتيجة لهذا التغيير، ونقول إنها في مجملها لم تكن حسنة، إن لم نقل إن التغيير جاء بالأسوأ، بحيث أصبح المهللون والمكبرون للتغيير نادمين على ما فعلوا، ومترحمين على ذوي الشأن من قبل أن يحدث فيهم التغيير.

لا ينبغي أن يسوقنا التشاؤم من التغيير إلى ترك ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، كما يقول اللاهوتيون، فقيصر في ثقافتنا المدنية لا ينوب عن الاله وليست له قدسية، وليس ظلَّ الله في الأرض، كما اعتقد العجم من الفرس والترك في ملوكهم.. وما يملكه قيصرهو من المال العام المشاع.

ولكن التغيير الذي يحدث بالجبر والقهر يولَّد الجبر والقهر المماثل، إن لم يكن أشد فهو ليس بالأهون.. وهذا ما شهدناه وما نشاهده مما جرى، وأصبح التغيير وبالاً أكثر منه خيراً.. وأصبحنا في أكثر الأحوال نبكي على الوضع الذي كان قائماً قبل التغيير ونأسف لما وقع، ونقول لأنفسنا، يا ليتنا لم نتحمس للتغيير، ويا ليتنا اتعظنا بما قاله شاعرنا العربي..

رُبَّ يومِ بكيتُ منه فلمّا * صرتُ في غيره بكيتُ عليه!

 

Email