المتاحف وتقنيات العصر الحديث

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما حلّ موسم العطلات، استغل الناس وقت فراغهم للانطلاق إلى «فوكرز»، وانغمسوا في ألعاب البولينغ، وراحوا يتصورون طريقة للاستمتاع بمطالعة مدونات الصحف على أجهزة «آي باد» الجديدة. والبعض مضوا إلى المتاحف (حيث يرتفع معدل زيارة المتاحف تقليدياً خلال هذا الوقت من العام).

في الشهر الماضي، تحدثت في مؤتمر لرؤساء ومديري المتاحف في متحف الفن في مقاطعة لوس انجلوس. والمتاحف تستخدم التكنولوجيا بشكل متزايد، للوصول إلى الجمهور خارج جدرانها. وبالطبع، فأنا من المبشرين المتحمسين لوسائل الإعلام الجديدة، وللمؤسسات التي تتكيف بأسرع ما يمكنها مع التغيرات التي تجلبها التكنولوجيات الجديدة إلى عالمنا.

ولكن عندما حان الوقت للحديث مع رؤساء المتاحف، حول استخدام أدوات وسائل الإعلام الاجتماعي اللازمة لتوسيع نطاق جمهورهم وإثراء تجربة المتاحف، وجدت نفسي متحفظة بشكل غريب، ذلك أن المتاحف تقدم ما أصبح نادراً بشكل متزايد في عالمنا، أي الفرصة للانفصال عن حياتنا المتصلة بشكل مفرط، وإمكانية التعجب. كما يصف «ماكسويل أندرسون»، الرئيس التنفيذي لمتحف «إنديانابوليس» للفنون، فإن مهمته هي منح الزوار تجربة «الرنين والتعجب... وهو إحساس غير ملموس بالغبطة، شعور بأن الثقل قد ارتفع». أو كما وصفه مواطنو أرسطو: «التطهر».

هكذا فإن السؤال يكمن في كيفية استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية لدعم هذه المهمة، دون تقويض تجربة الفن الأساسية، التي تسمح لنا بالتواصل مع شيء أكبر منا.

كتبت سوزان سونتاغ في كتابها «جماليات الصمت»، تقول: «كل عصر عليه أن يعيد اختراع مشروع الروحانية لنفسه.. وفي عصرنا الرقمي، تقدم المتاحف إحدى الأراضي الأكثر خصوبة لهذا التجديد».

وهذا هو السبب في أن خطر وسائل الإعلام الاجتماعي يصبح محور وسائل الإعلام الاجتماعي، بمعنى أن الاتصال يصبح من أجل ذاته، والاتصال بلا هدف، وهو أحد المخاطر التي تحتاج المتاحف لحماية نفسها منه. واختزال تجربة المتحف إلى تقديم المزيد من التطبيقات التي توفر المزيد من البيانات، هو مجرد أمر يثير الضحك، مثل الحد من تجربة الذهاب إلى دور العبادة، إلى مستوى قيام المترددين عليها بالدخول على موقع «تويتر» للقول: «في الكنيسة، ذكر القس أرغفة الخبز والأسماك، فهل أي شخص يتناول بعض السوشي لتناوله لاحقاً؟»، أو تصفح أجهزة «آي باد» الخاصة بهم، من أجل البحث السريع عن حقيقة أن الموعظة على الجبل تم إلقاؤها بالقرب من بحيرة طبرية، والتي أرى أنها أكثر بحيرات العالم العذبة انخفاضاً. ولا بد أن أكتب ذلك كله!

في أفضل حالاتها، تبني وسائل الإعلام الاجتماعي مجتمعاً وتعزز التواصل. وفي حالة المتاحف، فإنها يمكنها الوصول لجمهور أوسع بكثير، ويمكن أن تمدد زيارة المتحف عن طريق السماح للمستخدم بمواصلة التجربة الجمالية بعد خروجه من المتحف. في جميع أنحاء أميركا، تستخدم المتاحف بالفعل تكنولوجيات وسائل الإعلام الجديدة، على نطاق كبير. فمتحف الفن في مقاطعة لوس أنجلوس، لديه مدونة مخصصة لإقامة حوار مفتوح حول المتحف، بين القائمين عليه وجمهوره. كما دشن غرفة رقمية هي الأولى من نوعها للقراءة، موفرة منشورات طباعة مهمة.

أما متحف متروبوليتان للفنون، فلديه جدول زمني شامل لتاريخ الفن، متاح على موقعه على الانترنت. ويقدم متحف «بروكلين» للفنون نوعاً من العضوية يتمحور حول الشبكات الاجتماعية، يسمى «فيرستفانز». وأنشأ متحف «إنديانابوليس» للفنون موقعاً له على الانترنت، وهو بمثابة مجتمع دولي على الشبكة العنكبوتية، يعرض محتوى فنياً عبر الفيديو. وينشر موقع مركز «ووكر» للفن ما تعرضه قناة «ووكر»، التي تعرض بثاً حياً لأحداث متحف. وأنشأ متحف «سميثسونيان» مجموعة على موقع «فليكر»، بعنوان «املأ الفراغ»، والتي تنتقي أفكاراً من الجمهور حول ما ينبغي أن يطرحه المتحف على جدرانه، عندما يتم إنزال اللوحة من أجل الترميم. إنه لشيء رائع أن نرى المؤسسات تكرس جهداً واضحاً لما يعتبر غالباً أنه الفن الرفيع، والانخراط في النشاط السائد على الشبكة العنكبوتية.

ولكن إذا نسيت المتاحف أصلها، وانشغلت بكل تكنولوجيا جديدة جذابة تتألق، فسوف تقوض أساس وجودها. هناك الكثير من الاتصال الخاطئ الذي يمكن أن يفصلنا عن التجربة الجمالية. وكما لخصتها «سونتاغ»: «إن التأمل.. ينطوي على نسيان الذات من جانب المشاهد».

بالنسبة لي، يصبح السؤال الأساسي هو: ماذا يحدث بعدما يجتاز الناس المدخل؟ هل تعمّق التكنولوجيا التجربة، أم أنها تقلل منها؟ هل نتحكم فيها، أم أنها تتحكم فينا؟

إنها أيضاً الغريزة التي يتم تقويضها على أقصى قدر، عن طريق الاتصال الدائم على مدار الساعة بثقافة الإعلام. وفي كتابه «المياه الضحلة: ما يفعله الانترنت بأدمغتنا»، يقول «نيكولاس كار»: «هناك حاجة إلى الوقت لجمع البيانات الفعالة، والوقت للبيانات غير الفعالة من أجل التأمل، والوقت لتشغيل الجهاز، والوقت لنجلس مكتوفي الأيدي في الحديقة».

لم يبق الكثير من الحدائق متروكاً في العالم، وهذا ما يجعل المتاحف غاية في الأهمية. إنه لشيء عظيم أن نراها تستفيد من الأدوات الجديدة لوسائل الإعلام، لتوسيع نطاق الوصول إلى الحديقة، وزيادة المجتمع في جميع أرجاء الحديقة.. ولكن ينبغي ألا ننسى أنه في الوقت الذي سوف تتغير التكنولوجيات باستمرار، فإن الحاجة للتواصل مع الفن العظيم لن تتغير.

 

 

Email