تسريبات ويكيليكس والتناقض الأميركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعد موضوع تسريبات ويكيليكس من الموضوعات دائبة التغير، والشاهد على ذلك المنعطفات الأخيرة المتعلقة بالقوات الجوية الأميركية، التي تمنع أفرادها من الوصول إلى أكثر من ‬25 موقعاً للأخبار التي نشرت مواد صادرة عن ويكيليكس، والمعاملة الصادمة لـ«برادلي مانينغ» الجندي في الجيش الأميركي المتهم بأنه المصدر لهذه التسريبات.

هناك مشكلة رئيسية بشأن تغطية وسائل الإعلام لـ«ويكيليكس»، وهي أن هناك الكثير من الخلط والدمج الجاري. ولذا فقد أعقب ذلك بعض التفكيك الخطير.

إن أحد أهم جوانب هذا الموضوع، يتمثل في العلاقة المتغيرة بالحكومة التي جعلتها التكنولوجيا ممكنة. وفي عام ‬2007، قبل ظهور ويكيليكس، تحدث الرئيس باراك أوباما بحماس عن الحكومة وشبكة الإنترنت، قائلاً: «علينا أن نستخدم التكنولوجيا لتحقيق انفتاح ديمقراطيتنا. إنه ليس من قبيل الصدفة أن إحدى أكثر الإدارات سرية في تاريخنا قد حبذت المصلحة الخاصة، واتبعت سياسة لا يمكنها الصمود أمام ضوء الشمس».

في تلك الآونة، بطبيعة الحال، كان أوباما مشغولاً ببناء إطار لشبكة إنترنت ستلعب دوراً هاما في أن يصبح رئيساً للإدارة التالية. لم يمض وقت طويل بعد الانتخابات، وعند الإعلان عن سياسته «للشفافية والحكومة المنفتحة»، أعلن أوباما: «الشفافية تعزز المساءلة وتوفر معلومات للمواطنين حول ما تقوم به حكومتهم. فالمعلومات التي تحتفظ بها الحكومة الفيدرالية تعتبر ثروة قومية».

فلنتحول إلى ما حدث بعد مرور سنوات قليلة. الآن يدافع أوباما عن واقع في أفغانستان لا يتطابق مع الحقيقة، نجد أنه فجأة ليس متحمساً لحصول الناس على فرصة للوصول إلى هذه «الثروة القومية».

الأمر الأكثر مدعاة للسخرية، هو التصريحات التي أدلت بها وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، التي كانت قبل أقل من سنة، تعلّم دولاً أخرى بشأن قيمة انترنت حرة وبلا قيود. وفي ضوء وصفها تسريبات ويكيليكس بأنها «هجوم على مصالح السياسة الخارجية الأميركية» عرّض «أبرياء» للخطر، فإن الملاحظة التي أبدتها في يناير الماضي عن أن: «التكنولوجيات ذات القدرة على فتح المجال للوصول إلى الحكومة وتعزيز الشفافية، يمكن أيضاً أن يتم اختطافها من قبل الحكومات لسحق المعارضة وإنكار حقوق الإنسان»، تأخذ ضوءاً مختلفاً كليةً!

والآن فإن جعل الحكومة قابلة للمساءلة، على حد تعبير المتحدث باسم البيت الأبيض «روبرت غيبس»: «عمل طائش وخطير»!!

بالنسبة لإدارة أوباما، فإن المساءلة تبدو طريقاً أحادي الاتجاه. عندما كانت أمامه الفرصة لتحقيق مبدأ المساءلة لحروب أميركا في أفغانستان والعراق، والتحقق من القدر الذي وصلنا إليه، عبر الرئيس الطريق. وكما كتب «جون بيري بارلو» على صفحته في موقع «تويتر»، يقول: «لقد وصلنا إلى نقطة في تاريخنا أصبحت عندها الأكاذيب خطاباً محمياً، والحقيقة جناية».

ثم هناك مؤسس موقع ويكيليكس «جوليان أسانج» نفسه. أهو شخص حالم؟ أهو فوضوي؟ أهو أخرق؟ إن هذا تكهن طريف، ولكن لماذا يكون له تأثير على قيمة تسريبات ويكيليكس؟

بالطبع، ليس من المستغرب على نحو رهيب أن أولئك الذين يشعرون بعدم الارتياح من التضارب بين ما تظهره التسريبات وما تدعيه الحكومة الأميركية، يفضلون أن ينسبوا ذلك كله إلى التركيبة النفسية لـ«أسانج»، ولكن القيام بذلك يعتبر اعترافاً عملياً بأنها ليست لها صله ملموسة يمكن من خلالها التصدي للواقع الذي كشفه ويكيليكس.

ولكن هذا الموضوع أكبر من «أسانج»، وسوف يستمر، سواء واصل «أسانج» دوره المحوري فيه أم لا. لذلك، فبالقدر نفسه المثير للاهتمام مثل ملحمته، وأنا متأكدة من أنه ستكون هناك كتب وأفلام تسرد حكاية «أسانج» الشخصية، فإنها ليست مسألة تتعلق برجل واحد، ولا تتعلق بموقع واحد، رغم أن سابقة إغلاق الحكومة للموقع تعتبر أمراً غاية في الأهميةً.

إنها مسألة تتعلق بمستقبلنا. ولكي تبقى ديمقراطيتنا، فإن المواطنين يجب أن يكونوا قادرين على معرفة ما تقوم به حكومتنا حقاً. فلا يمكننا تغيير مسار إذا لم تكن لدينا معلومات دقيقة حول أين نقف حقاً. ولا يهم ما إذا كان ذلك يجيء من موقع على شبكة الإنترنت أو صحيفة أو كليهما.

ولكن، إذا نجحت حكومتنا في جهودها من أجل إيقاف هذا السبيل الجديد للمساءلة، فسوف تكون قد ألحقت بالولايات المتحدة ضرراً يفوق بكثير ما تزعم أن ويكيليكس يلحقه بها.

 

Email