محمد إبراهيم المنصوري
في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم، لم يعد الإسكان الحكومي مجرد خدمة تقليدية، بل غدا محوراً استراتيجياً يرتبط بالاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وجودة الحياة. وتزداد الحاجة إلى إعادة النظر فيه بمنهجية شاملة توازن بين العدالة والاستدامة، وتلبي تطلعات الأسر وتحديات الحكومات.
وقد قطعت دولة الإمارات، بفضل رؤية قيادتها الرشيدة، خطوات كبيرة في تحديث منظومة الإسكان، أبرزها إطلاق السياسة الإسكانية الجديدة عام 2022، التي أرست نموذجاً يقوم على الشراكة بين الحكومة والقطاع المصرفي، بهدف تحقيق تمويل ذكي ومستدام يخفف العبء عن الميزانية العامة ويواكب احتياجات المجتمع.
وفي هذا الإطار، تأتي مبادرة توفير الحماية التأمينية لكبار المواطنين المستفيدين من القروض السكنية كمثال حي على الحلول المرنة والمستدامة. ورفع الحد الأعلى لعمر سداد القروض إلى 95 عاماً لا يُعد مجرد تعديل فني، بل خطوة إنسانية تعكس التزام الدولة بحقوق هذه الفئة التي ساهمت في بناء الوطن، وتُكرّس نهجاً حكومياً يضع كرامة المواطن واستقلاليته في صميم القرار.
ومع إعلان 2025 عاماً للمجتمع، تبرهن هذه المبادرة على أن الاستقرار الأسري ليس شعاراً، بل سياسة واضحة المعالم. فهي لا تكتفي بتأمين القروض، بل تفتح آفاق التملك أمام فئات كانت تُستثنى سابقاً بسبب القيود التأمينية أو العمرية، ما يجعلها نموذجاً لتكامل الإرادة السياسية مع المسؤولية الاجتماعية.
وتُعزز هذه الرؤية بتنوع أدوات التمويل، مثل تحمّل الحكومة للفوائد أو الاستعانة بالصناديق السيادية لضمان استمرارية المنظومة الإسكانية، كما يبرز دور التوعية المجتمعية، إذ إن تعزيز ثقافة الادخار والتخطيط المالي المبكر بات ضرورياً في ظل تغير أنماط الاستهلاك.
وتأتي صناديق الادخار السكني كأداة فاعلة لتمكين الأفراد من تقليل تكاليف السكن تدريجياً، شريطة دعمها بسياسات تحفيزية وبرامج تعليمية تبدأ من مراحل مبكرة.
ومع تزايد الطلب على السكن، لم يعد التوسع العمراني مجرد بناء وحدات جديدة، بل أصبح يتطلب نماذج أكثر كفاءة وابتكاراً. وقد أثبت القطاع الخاص قدرته على تقديم حلول ذكية من خلال تقليل المساحات، وتحسين تخطيط الأحياء، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتحسين التصميم الحضري.
وهنا تبرز أهمية تعزيز الشراكة مع المطورين العقاريين، حيث يمكن للحكومة توفير الأراضي وتحديد المعايير، بينما يتولى القطاع الخاص التطوير والتشغيل. هذا النموذج يخفف الضغط عن الحكومة، ويمنح القطاع الخاص دوراً في بناء مجتمعات مستدامة تستوعب مختلف شرائح المجتمع.
ولا تقتصر التحديات على البناء، بل تمتد إلى ضمان استدامة المشاريع والتكيف مع المتغيرات. ولهذا يعمل برنامج الشيخ زايد للإسكان على تطوير نماذج مرنة وقابلة للتوسع تتيح للأسر بناء مساكن وفقاً لاحتياجاتها الفعلية، مع إمكانية التوسعة مستقبلاً، ما يقلل التكاليف ويحسّن استخدام الموارد.
كما نؤمن بأهمية تجديد المساكن القائمة كخيار استراتيجي يوازي التوسع الجديد، إذ يمكن من خلال مشاريع التجديد الذكي تحسين جودة الحياة دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة، ما يعزز استدامة النمو، ويضمن استقرار المجتمعات على المدى الطويل.