المعلم صانع التأثير

التفاف الطلبة حول معلمهم أو جلوسهم أمامه، ليس مجرد منظر مألوف يعكس عملية التعليم إنما هو حال قد يكون فيه الطالب متأثراً أو متأملاً أو متعطشاً للعلوم، أو قد يجمع كل تلك الأحوال معاً، وهذا ما يجب أن يدركه المعلم سواء كان طلابه بالمدارس أو الجامعات والكليات.

حقيقة أن يكون الفيلسوف سقراط هو معلم أفلاطون، والفيلسوف أفلاطون هو معلم أرسطو، والفيلسوف أرسطو هو أحد رموز العلم والمعرفة على مر العصور، فذلك برهان قاطع على أن الطالب يتأثر بمعلمه بشكل كبير في حال امتلك المعلم الصفات والمؤهلات التي تستطيع أن تنقل المعرفة والمهارة والإلهام للعقول المتأملة والمبدعة القادرة على استغلال العلوم والمهارات في إنتاج صور متنوعة للإبداع والابتكار، مع الأخذ بعين الاعتبار من قبل المعلم بأن التعامل مع عقول الطلاب هو الأهم في عملية التعليم.

من الطبيعي أن يكون هناك فروقات فردية بين الطلاب وتفاوت في القدرات أو درجة الاستيعاب أو التركيز، وقد يتفوق أحد الطلاب في التحصيل الدراسي أو بعض المهارات ولكن ذلك لا يجيز للمعلم تفضيل طالب على زملائه أو التركيز على تغذيته بالمعرفة والخبرة، سعياً إلى تأهيله دوناً عن باقي الطلاب، لأن ذلك يزرع الغيرة والتباغض والتباعد بين الطلاب، ويخالف القيم المهنية التي تفرض على المعلم أن يكون منصفاً وداعماً لجميع طلابه وحريصاً على أن يلبي احتياجاتهم.

تأثر الطالب بالمعلم لا يقتصر على الجانب المعرفي، فهناك طلاب يتأثرون بمعلميهم في أمور أخرى مثل سلوك المعلم في مواقف معينة أو بعض الكلمات التي يرددها فيقومون بتقليده، وهناك بعض الطلاب ينظرون إلى المعلم نظرة إجلال وتقدير فيتخذوه قدوة أو مثلاً يحتذى به، ومن المهم جداً أن ينتبه المعلم لسلوكه مع طلابه وطريقة تعامله معهم، خاصة إذا كانت علاقته بهم قوية ويعتبرونه محل ثقة لمختلف المواضيع التي تخصهم، ومصدراً موثوقاً بالنسبة للمعلومات، وتأثر الطلاب بالمعلم يثقل حجم مسؤوليته اتجاه طلابه.

المعلم المتواضع يخبرنا، والجيد يشرح لنا، والمتميز يبرهن لنا، أما المعلم العظيم فهو الذي يلهمنا، المعلم العظيم هو من يصنع مكانته بين الآخرين، لأن تأثيره المميز يظهر على الطلاب وعلى المجتمع أيضاً، لكن مهما عظمت قدرات المعلم وتأثيره البارز، يتوجب علينا أن لا ننسى بأنه بشر قد يخطئ وقد يصيب، ومن الإنصاف أن نلتمس له العذر في بعض المواقف الهينة، وعلى المعلم ألا ينسى موقعه بين تلاميذه بأنه مصدر تأثير وإلهام ومعرفة للجميع.