عندما يكون الوسيط غير نزيه!

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الممارسات التي أصبحت ثوابت في سياسة كيان الاحتلال الصهيوني تدوير القضية الفلسطينية وتمييعها بين الشيء وضده ليستمد بذلك مزيدًا من الوقت حتى ينتهي من رسم أبعاد الصورة التي يريد قادته أن يفرضوها على المفاوض الفلسطيني مدعومة بالموقف الأميركي الضاغط من أجل استئناف المفاوضات دون تقديم أي بادرة أمل من جانب كيان الاحتلال الصهيوني، حيث أصبحت آلية المناورة الصهيونية واضحة كالشمس في كبد السماء، فبالتنسيق الدائم مع الأميركي الحليف الاستراتيجي يتم رفض الطروحات العادلة مثل الاعتراف بحدود عام 1967م والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة المنتظرة، وأن الاستيطان الوجه الآخر للاحتلال، وعودة اللاجئين حق أصيل لا يسقط بالتقادم، والإفراج عن الأسرى أساس من أسس الحل والتسوية ودليل على استعداد السجَّان المحتل للحل، وحين تتداخل هذه القضايا ويبدأ الجانب الفلسطيني بوضعها أو إحداها على طاولة المفاوضات لاختبار صدق نيات المحتل الصهيوني ومدى جديته، يتدخل الحليف الأميركي ممارسًا كالعادة دور الإطفائي والإسناد والإنقاذ لحليفه الاستراتيجي الاحتلال الصهيوني إما بإزاحة القضية التي وضعها المفاوض الفلسطيني على الطاولة، وإما التقدم بأفكار جديدة ثم يتم الضغط على الفلسطينيين للتفاوض حولها، ويتظاهر كيان الاحتلال الصهيوني في غضون ذلك باستعداده للتفاوض "دون شروط مسبقة" وهكذا دواليك.

فالموقف الأميركي من حدود عام 1967م لا يزال غير واضح ومبهمًا، فتارة ينحاز مؤيدًا الحليف الصهيوني بعدم الاعتراف بها ومؤيدًا بديلًا عن ذلك طرح فريق المتابعة في جامعة الدول العربية لفكرة ما يسمى تبادل الأراضي، وتارة من خلال الإشارة إلى حدود 67 كالتي وردت في خطاب الرئيس باراك أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي (أي الإشارة) أثنت عليها السلطة الفلسطينية، معتبرة أنها اعتراف أميركي ضمني بتلك الحدود التي يسعى الاحتلال الصهيوني إلى التهامها وإسقاطها من قضايا الحل النهائي.

في الكلمة التي ألقاها بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان لافتًا الشيء ونقيضه وذلك حين تحدث نتنياهو عن استعداد كيان الاحتلال الصهيوني لتقديم ما أسماها "تنازلات مؤلمة" في مفاوضاته مع الفلسطينيين التي استؤنفت نهاية يوليو الماضي برعاية أميركية، مطالبًا الجانب الفلسطيني مجددًا بالاعتراف بما يسمى "يهودية" كيان الاحتلال وبـ"احتياجاته الأمنية" من أجل التوصل إلى حل وسط تاريخي

 ينهي النزاع بين الطرفين بشكل نهائي، إذ لا يزال الحديث عن "تقديم التنازلات المؤلمة" مجرد كلمات مجردة من أي خطوات عملية على الواقع وخالية من أي ضمانات، بل هي مجرد فقاعات هواء يطلقها قادة الاحتلال لابتزاز الفلسطينيين وجرهم هم لتقديم تنازلات مؤلمة وليس العكس، فالمحتلون الصهاينة يريدون اعترافًا مجانيًّا بما يسمى "يهودية" كيانهم، لكنهم في حقيقة الأمر غير مستعدين، وليس واردًا في سياستهم التنازل عن أي حق من الحقوق الفلسطينية. لذا فإن المفاوضات الحالية لا وصف لها سوى الفشل كسابقاتها، وهي عبارة عن غطاء شرعي يوظفه الاحتلال الصهيوني لنهب المزيد من الحق الفلسطيني وفرض وقائع جديدة على الأرض، وما لم يتخلَّ الأميركي عن سياسته المنحازة ويكون طرفًا ووسيطًا نزيهًا في العملية السلمية، فلن يتحقق السلام.

الفلسطينيون من جانبهم رأوا أن خطاب نتنياهو "تدمير لعملية السلام والمفاوضات التي يريد أن يفرض فيها مطالبه بالاحتفاظ بالقدس والأغوار والكتل الاستيطانية واستمرار السيطرة الإسرائيلية على دولة فلسطينية غير متواصلة جغرافيا"، وأن مطالبة نتنياهو الفلسطينيين بالاعتراف بـ"يهودية الدولة" دعوة لتكريس كيان الاحتلال كيان فصل عنصري قائم على أساس الدين. إلا أن ما يثير الدهشة أن الفلسطينيين رغم قناعتهم بعدم جدوى المفاوضات وأنها غطاء شرعي للاحتلال يصرون على الانخراط فيها ومواصلتها.
 

Email