إنهم يبيعون أقوالا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

 في الوقت الذي تنتظر فيه المنطقة عامة والفلسطينيون خاصة ما ستسفر عنها المفاوضات التي استؤنفت مؤخرًا على يد عرَّابها جون كيري وزير الخارجية الأميركي، يعطي ساسة كيان الاحتلال الصهيوني بين الفينة والأخرى إشارات لا تصب في الأهداف الحقيقية المعلنة من استئناف المفاوضات، وإنما تشير إلى عدم الرغبة في مواصلة هذا الطريق وصولًا إلى الحل النهائي، الأمر الذي ينقل شكوك الكثير من المتابعين والمهتمين وظنونهم حول الإصرار الأميركي على استئناف المفاوضات من مستوى الشك والظن إلى مستوى اليقين والقناعة، بأن الأميركي ـ منذ استلامه الرعاية الكاملة لحليفه الاستراتيجي كيان الاحتلال الصهيوني من بريطانيا العظمى ـ لم يقدم يومًا دليلًا واحدًا على صدق ما يعلنه، وعلى ما يُقدِم عليه من خطوات، بل إنه لا يلجأ إلى العزف على وتر القضية الفلسطينية والادعاء برغبته في حلها إلا إذا حدثت في المنطقة تطورات يمكن أن تؤثر سلبا على النفوذ الأميركي وعلى أمن طفل الغرب المدلل كيان الاحتلال الصهيوني أو للتغطية على أحداث تؤمن هذا النفوذ الأميركي وأمن هذا الطفل المدلل.

وفق هذا القدر المتيقن، لا نخال أن تتحرك مسارات المفاوضات الحالية نحو النهاية المأمولة لصالح الشعب الفلسطيني، سواء من قبل الفلسطينيين أنفسهم أو من قبل المتابعين والمهتمين بالشأن الفلسطيني، ذلك أن المفضيات إلى استئناف المفاوضات تتجاوز اليوم تلك الاسطوانة المشروخة وهي "لا يوجد مفاوض أو شريك فلسطيني" والتي يديرها ساسة الاحتلال الصهيوني لإسكات كل من يطالبهم بالعودة إلى المفاوضات والالتزام بالاستحقاقات الواجبة عليهم، حيث أنقذ الوضع العربي الراهن بفوضاه المسماة زورًا "الربيع العربي" من اللجوء إلى تلك الاسطوانة المشروخة التي فرضتها ظروف الانقسام الفلسطيني ـ الفلسطيني الذي في حقيقته مخطط صهيوني بحيث يتم توظيفه في تغيير الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية من أجل تحقيق الأهداف التلمودية.

وبالفعل نجح هذا المخطط في تهويد القدس وتهويد مسميات القرى والمدن الفلسطينية التي كانت تحمل مسميات عربية وإسلامية وإطلاق آلة الاستيطان بأقصى سرعتها لالتهام أراضي القدس المحتلة والضفة الغربية.

وكلما ظهرت محاولات لإنهاء الانقسام الفلسطيني كانت اليد الصهيو ـ أميركية حاضرة لإفشال أي تقارب أو مصالحة بين حركتي فتح وحماس. ومثلما لعبت أطراف عربية بتعاون وتحالف مع الغرب الامبريالي الاستعماري الحليف للاحتلال الصهيوني في إدارة ملف المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية لصالح كيان الاحتلال الصهيوني، وبالتالي توفير الوقت والجهد للاحتلال لأن يواصل تغيير الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية، يلعب اليوم ما يسمى "الربيع العربي" بفوضاه "الخلاقة" دورًا أكبر عن السابق، حيث السمة البارزة لهذا "الربيع/الخريف" التحالف المعلن بين الفوضويين ورعاتهم وداعميهم وبين كيان الاحتلال الصهيوني، والتنسيق على أعلى المستويات لتحقيق الأجندة الصهيونية، ما جعل الأميركي والصهيوني يستغل هذا الزواج غير الشرعي لصالح أمن وبقاء كيان الاحتلال الصهيوني وتصفية القضية الفلسطينية، باعتبارها عبئًا على المنطقة والعرب أجمعين.

لذلك كل ما يتفوه به الساسة الصهاينة عن حل الدولتين بحجة أنه "الطريقة الوحيدة للحفاظ على القيم الديمقراطية للكيان المحتل"، حسب تسيبي ليفني وزيرة ما يسمى العدل في حكومة الاحتلال، هو مجرد أقوال يبيعونها كالعادة لمن يبادلهم بها التعاون والاستعداد للتنازل عن الحق الفلسطيني. كما أن هذا القول مردود عليه لأنه بكل بساطة يتناقض مع ما يطرحه زملاؤها الوزراء في الحكومة من رفض مطلق لحل الدولتين هذا من جهة، ومن جهة ثانية ليفني كانت تشغل حقيبة الخارجية في حكومة أيهود أولمرت، لماذا لم تقدم آنذاك على تحقيق ما تتفوه به الآن وتعمل عليه؟ ولماذا قادت هي ومن معها في الحكومة عدوانًا غاشمًا على قطاع غزة لقتل أطفاله ونسائه ورجاله وشبابه؟ أليس كل ذلك دليلًا على أنهم يبيعون أقوالا ليس إلا!؟

Email