الثمن الباهظ لنهج التشدد

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلال هذه الأيام مرت على المنطقة والعالم الذكرى الثانية عشرة للهجوم الارهابي الذي شنه تنظيم القاعدة في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ضد برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وضد مقر وزارة الدفاع الأمريكية– البنتاجون– في واشنطن. ومع الوضع في الاعتبار الكيفية التي تناول بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما هذه الذكرى الأليمة، فإن محاولة تنظيم القاعدة استثمار هذه الذكرى يثير الكثير من علامات الاستفهام، خاصة في ظل الاتفاق المتزايد بين قطاعات عديدة من الرأي العام، الإقليمي والدولي، حول الحاجة إلى الدفع نحو الاعتدال، والابتعاد قدر الإمكان عن التشدد والتطرف والتشنج، بكل صوره وأشكاله، لأن الكثير من الدول والشعوب والتنظيمات قد تيقنت، على مدى سنوات طويلة، أن الاعتدال، والابتعاد عن التطرف والتشدد، هو إلى سبيل الأفضل، ليس فقط لبناء حياة وتنمية الشعوب وتحقيق أهدافها، ولكن أيضا لبناء الثقة والتواصل فيما بينها، ومن ثم فتح العديد من سبل التعاون فيما بينها لتحقيق مصالحها المشتركة والمتبادلة.
ومع التأكيد على أهمية وضرورة استمرار التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة كل صور الإرهاب، خاصة في ظل الأوضاع والتطورات والاهتزازات الأمنية والاجتماعية، التي تمر بها العديد من دول وشعوب المنطقة، لأسباب معروفة، فإنه ليس من المبالغة في شيء القول: إن الممارسات المتطرفة، سواء من جانب تنظيم القاعدة، أو من جانب أية تنظيمات سياسية أو غير سياسية، إسلامية أو تنتمي إلى أية أديان أخرى، قد هزت الثقة بين أطراف ودول عدة، كما أنها أساءت إلى حد كبير إلى صورة الإسلام كدين يسعى إلى الإعمار والسلام والازدهار للبشرية جمعاء، وإلى صورة المسلمين أيضا، خاصة أنه كانت، ولا تزال هناك اطراف عديدة تسعى بشكل ممنهج لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، خدمة لأغراضها ومصالحها، بغض النظر عن تنافي ما تقول به او تزعمه مع حقائق مبادئ وقيم الدين الإسلامي الحنيف.
وإذا كانت السنوات الاثنتا عشرة الماضية قد شهدت الكثير من الخسائر، سواء للشعب والدولة في افغانستان والعراق والصومال ودول ومناطق أخرى من العالم، أو لصورة الإسلام والمسلمين لدى الشعوب الأخرى، وفي سبل تعاملها معهم، فإن مسؤولية كبيرة تقع في الواقع على عاتق الدول والمنظمات والتنظيمات الإسلامية، وفي مقدمتها تلك القادرة على تقديم صورة صحيحة ومعتدلة للإسلام، في مواقفها وسلوكياتها وأساليب تعاملها مع الآخر، من أجل العمل على تصحيح الصورة المشوهة، وقطع صلتها بالإسلام، خاصة أن هناك العديد من صور التطرف لدى المجتمعات والديانات الأخرى. ومن المؤكد أن التركيز على الاعتدال ونبذ التشدد والتطرف، وإيضاح الطبيعة السمحة للإسلام كدين يمكن أن تسهم بدور كبير في إظهار ذلك وإيضاحه للشعوب والمجتمعات الاخرى، التواقة إلى معرفة حقيقة هذا الدين الحنيف.. أما التنظيمات المتطرفة فإنها تحتاج إلى تعامل واع متعدد الجوانب والأبعاد، لأن التعامل الأمني وحده أثبت قصوره في الكثير من الأحيان.

Email