أميركا والمفاوضات والمصالح

ت + ت - الحجم الطبيعي

ضغطت واشنطن لاستئناف المفاوضات وكان لها ما أرادت، لكن شيئا لم يتغير في السياسة الاسرائيلية رغم ذلك، وقد يكون العكس صحيحا تماما، حيث ازداد الاستيطان وتصاعدت الدعوات لتشريع صلاة اليهود في المسجد الاقصى، وكذلك المقترحات المختلفة حول يهودية الدولة، بالاضافة الى الممارسات الكثيرة الأخرى وفي مقدمتها تهجير المقدسيين والاعتداءات المستمرة دون عقاب ضد دور العبادة والشجر والانسان في كل أنحاء الضفة.

اليوم يطلع علينا صحفي يهودي مقرب من البيت الابيض بأحاديث عن مكالمة في غاية الصعوبة والتوتر بين وزير خارجية اميركا جون كيري ورئيس الوزراء الاسرائيلي نتانياهو. وقال مسؤول اسرائيلي ان هذه التسريبات التي أطلقها الصحفي جيفري غولدبيرغ تدل على ان الوزير الاميركي على قناعة بأن مسؤولية نجاح او فشل المفاوضات تقع على نتانياهو وليس الجانب الفلسطيني، وكان التحذير واضحا وهو ان اسرائيل ستواجه حملة دولية حال فشلت المفاوضات .. ولوحدها فقط وكأن في الحديث تهديدا بعدم الدعم الاميركي في حالة كهذه.

ومن المفارقات الغريبة في هذا السياق نشر ما كان قد قاله الرئيس الاميركي سابقا ريتشارد نيكسون في العام ١٩٧٣ من ان اليهود يضعون مصالحهم فوق المصالح الاميركية وسيدفعون ثمن ذلك. ويبدو ان شيئا لم يتغير منذ ذلك التاريخ وان اسرائيل تضع مصالحها وأهدافها فوق المصالح الاميركية وان أميركا هي التي تدفع الثمن وليس اسرائيل.

ان تحقيق السلام مصلحة دولية واميركية بالدرجة الاولى، وقد قدم شعبنا الكثير من التنازلات والتضحيات وما يزال، في سبيل الوصول الى هذا السلام. وقدمت الدول العربية مبادرة تاريخية أيدتها دول اسلامية كثيرة وتدعو الى التعاون والسلام والعيش المشترك بين كل هذه الدول واسرائيل في حال التوصل الى اتفاق يؤدي الى إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. لكن اسرائيل أدارت وماتزال تدير ظهرها لكل هذه التنازلات والمبادرات وتأخذها غطرسة القوة والنفوذ الى التنكر لكل متطلبات السلام وتواصل التوسع والاستيطان والتهويد والتهجير.

واذا كان العالم العربي ضعيفا وممزقا اليوم فان هذه الحال لن تدوم الى الأبد، واذا كان العالم الاسلامي مشغولا بقضاياه الداخلية، فان هذه الحال لن تدوم الى الأبد ايضا، ولا بد ان يستيقظ العرب والمسلمون لكي يواجهوا الغطرسة الاسرائيلية، وسيكون العالم العربي في غالبيته المطلقة قد اكتشف من المسؤول عن تعطيل عملية السلام، وقد تتحقق توقعات نيكسون بان اسرائيل ستدفع الثمن غاليا، وتوقعات كيري بانها ستواجه حملة دولية منفردة اذا فشلت مفاوضات السلام.

ويبقى أخيرا الموقف النهائي للمفاوض الفلسطيني وسط هذه الدوامة من التناقضات والممارسات وماذا عليه ان يفعل ومتى وكيف يقوم بذلك والأفضل ألا يطول الوقت في هذا المجال.
 

Email