المفاوضات الحائرة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتراكم الشكوك وتتزايد سحب الغموض فوق جولة المفاوضات الجديدة التي أطلقها عرَّابها وراعيها الرسمي جون كيري وزير الخارجية الأميركي بعد جولات مكوكية متوالية قام بها إلى المنطقة، حيث أصبح ملمحًا بارزًا ما تثيره من خليط متداخل من علامات الاستفهام والتعجب حول ماهيتها ومآلاتها بالنظر إلى الممارسة الصهيونية على أرض الواقع، في مقابل صدق النيات والطوايا والقبول بالتخلي عن الشروط من الجانب الفلسطيني لتحريك المفاوضات، وفي ذلك تتكشف أولى بذور الشك في مدى مصداقية تلك الجولة التفاوضية، وقدرتها على الخروج بحلول عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية.

فمما لا يغيب عن فطنة المراقب عن كثب، وتثبته الأحداث يومًا بعد يوم، هو مقدار الفجوة الواسعة والمسافات الممتدة بين طرف فلسطيني تخلى عن ضوابط قبوله استئناف التفاوض وشروطه دفعة واحدة ودون مقابل، ويحيط ما يدور في الغرف المغلقة بتكتم وسرية شديدين، وبين طرف يُكذِّب الواقعُ على الأرض ما يروجه من أقوال وأحاديث، محاولًا استغلال المتغير العربي والإقليمي، والدور الأميركي الضاغط على الطرف الفلسطيني الأضعف، في كسب المزيد من الوقت لمواصلة آلة الاستيطان المنطلقة منذ سنوات في عملية التهام لما تبقى من أراضي القدس المحتلة والضفة الغربية، وسط شيء من المراوغة والتسويف في التسوية إلى حين نضوج طبخة الحل الصهيونية، وفرضها واقعًا جديدًا على الجانب الفلسطيني الذي عليه التسليم بها، وهي طبخة مسمومة ـ بلا شك ـ إذ سيكون الحل في هذه الحالة وفق المقاس والمنظور الصهيونيين، ببعده التوسعي الاستيطاني، والمهيمن على الدولة الفلسطينية الموعودة بقيود أمنية وسياسية واقتصادية تملى على الجانب الفلسطيني.

ولذلك وبدل أن تدخل الجولة الجديدة من المفاوضات المحاطة بالسرية التامة مرحلة الصدق واليقين، ومناخات الثقة المتبادلة بين الجانبين بما يعزز أجواء التفاؤل ويشجع على بلورة حلول بطريقة إبداعية قابلة للتطبيق العملي وتحقق التطلعات، يبدو أنها تتجه بصورة متسارعة إلى أخذ مكانها في قائمة المفاوضات السابقة الفاشلة من خلال مضي المشروع الاستيطاني الصهيوني بوتيرة أسرع، وإعلان سلطات الاحتلال عن طرح عطاءات استيطانية في الضفة الغربية والقدس المحتلة، في مقابل التقتير الصهيوني في الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في صفقات هزيلة.

الواقع يؤشر إلى أن أي محاولات لتقريب وجهات النظر بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني وتجسير الهوة بينهما، عبر عملية تفاوضية ناجحة تدار بمهنية عالية، تتطلب عملًا جادًّا عماده المصداقية والحياد وحسن الطوية، والرغبة الحقيقية في الخروج بحلول منطقية وعقلانية تنصف الطرفين المتفاوضين، وبالتالي فإن ما يدور الآن من ممارسات صهيونية استيطانية واتخاذ المفاوضات الجارية غطاء لها، لا يتفق مع دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الجانبين الفلسطيني والصهيوني إلى تجاوز "الشك العميق"، إذ إن الخلل والفشل ليس بسبب "الشك"، وإنما الفشل ناتج عن رغبة صهيونية في تصفية القضية الفلسطينية، أو على الأقل وضعها في ثلاجة التسويات طويلة الأجل منزوعة الدسم، لها من صفات الماء انعدام اللون والطعم والرائحة.

Email