تعاون لا بد منه للارتقاء بالوطن

ت + ت - الحجم الطبيعي

 النهضة المباركة حين بزغ نور فجرها لم تأتِ من أجل بناء مرحلة أو تحقيق هدف، وإنما هي مسيرة تشمل بناء جميع المراحل الحاضرة واللاحقة وتعمل على تحقيق أهداف عديدة في سبيل إعلاء صرح الدولة العمانية الحديثة.

ووفقا لذلك فإن الرؤية المتبصرة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في بناء صرح الوطن وتطوره والارتقاء به كانت ولا تزال النور الذي يهدي العاملين على البناء والتعمير، حيث تركز التوجه على أبناء هذا الوطن العظيم وقدراتهم وثقتهم بالقدرة على بلوغ الغايات المنشودة من وراء بناء صرح النهضة المباركة.

إن هذا التوجه يعد حجر الزاوية في منظومة التنمية الشاملة في البلاد، وبالتالي استمرار هذه المنظومة واستمدادها قوتها من شباب الوطن ومما يبذلونه من جهد وصبر ومثابرة، ومن قوة الانتماء والحس الوطني والتلاحم بين حادي المسيرة والسائرين على هديه، ما يجعل وعي الأسرة العمانية الكبيرة يتطور، ويصبح التغير والتطور آلية ذاتية تدور دورتها بمحفزات وبرعاية وحرص من لدن الموجه الأول ـ أبقاه الله ـ الذي بارح بنا من عصر الجمود والأمية إلى عصر الانفتاح على العلم والحضارة.

واليوم يقف التلاحم والتعاون القائم بين الحكومة والمواطنين والقطاع الخاص أمام محك كبير من خلال جملة من القضايا تمثل أهمية كبرى على الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي والعلمي والعملي والأمني، واختفاء هذا التعاون بين الأطراف الثلاثة أدى بالنتيجة إلى انعكاسات خطيرة، وسيؤدي إلى انعكاسات خطيرة أكبر، ومن بين هذه القضايا التي ركز عليها مجلس الوزراء في بيانه لشهري يونيو ويوليو الماضيين، تحقيق التوازن في نسبة الأيدي العاملة الوافدة من إجمالي عدد السكان في السلطنة، حيث أصبحت هذه القضية تكبر ككثرة الثلج جراء الاندفاع غير المحسوب، سواء من قبل المواطن أو القطاع الخاص في استقدام هذه الأيدي العاملة التي في أغلبها تشكل أيديًا غير ماهرة، وذلك بقصد تحقيق الربح، دون الانتباه إلى ما سيترتب على ذلك من خطورة على الوضع الأمني والسياسي ومحاربة شبابنا في لقمة عيشهم، وإفشال الخطط الحكومية في توفير فرص العمل بالقطاع الخاص، وتوجهها نحو تشجيع شبابنا على تأسيس مؤسسات صغيرة ومتوسطة، وتحقيق طموحاتهم. وليس مبالغة في أن مجتمعنا بدأ يشعر بالعبء وبالأخطار الداهمة من جراء الارتفاع المتسارع في أعداد الأيدي العاملة الوافدة ومضايقة أبناء المجتمع، سواء في أعمالهم أو في سكناهم وأحيائهم وقراهم ومدنهم، والقلق الكبير من ارتفاع الجرائم التي ترتكبها هذه الأيدي العاملة الوافدة.

على الجانب الآخر لا تزال هناك مجموعة من القضايا محل اهتمام ومطالبة من قبل المجتمع في ضرورة البت فيها والتعجيل في سرعة اتخاذ التشريعات والقوانين الرادعة والمنظمة كقضايا المحاجر والكسارات وتأثيرات بعضها على البيئة، وتحسين المنافع التأمينية في القطاع الخاص، ومشروع كل من قانون حماية المستهلك، وقانون منع الاحتكار وتشجيع المنافسة، بالإضافة إلى موضوع تهريب المنتجات النفطية خارج البلاد، إذ إن من شأن معالجة هذه القضايا توفير سياج قانوني وأمني وصحي يحمي المواطن صحيًّا وبيئيًّا، ويقيه شر الاستغلال القابع وراء الجشع والطمع والاحتكار، والمتسلح بغياب القانون وبمقولة "حرية السوق" التي صارت عبئًا، بل وسيفًا مسلطًا على رقاب المستهلكين، كما أن هذه المعالجة ستشجع المواطن على الإنتاج والاستقرار الوظيفي في القطاع الخاص إذا ما تم تحسين المنافع التأمينية وتساوت مع المنافع التأمينية في القطاع العام.

وما من شك أن التخفيف عن كاهل المواطن خاصة التخفيف من لأواء السفر إلى ديوان عام الوزارات من أجل إنهاء معاملاته، يمثل أهمية لدى العديد من شرائح المجتمع، إذ ليس الجميع لديه القدرة على تجشم صعاب السفر، وتتوفر لديه وسيلة نقل، فخيرًا فعل مجلس الوزراء حين أقر قيام الوزارات بإعطاء المديريات العامة التابعة لها في مختلف المحافظات الصلاحية اللازمة لإنهاء معاملات المواطنين دون تعطيل للإجراءات.

إن تعاون المواطن والقطاع الخاص مع الحكومة لتنمية المجتمع وتطوير البلاد ومؤسساتها وتعزيز الإنتاج والاستقرار، والتحرك لبناء المؤسسات أينما كان هناك فراغ تشريعي أو مؤسساتي في أي قطاع أو مجال وطني، هو أمر تقتضيه هذه المرحلة الفارقة، وسيعزز بكل تأكيد أركان الدولة العصرية العمانية.

Email