قاطرة حيوية.. ولكن!

ت + ت - الحجم الطبيعي

تبقى دائمًا التوجيهات والرؤى السديدة من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بمثابة إشارات دالة وبوصلة سديدة لطالع الوطن ومستقبل أبنائه، فلا تسهو الذاكرة عن عبارات جلالته الحاسمة والحازمة خلال الانعقاد السنوي لمجلس عُمان العام الماضي والتي طالب فيها القطاع الخاص بتعزيز ثقة المواطنين وتقديرهم لدوره، وأن يحفز الشباب العماني على العمل فيه والثبات في وظائفه، وأن يغرس بذرة الانتماء إلى مؤسساته في نفوسهم.

وما من شك أن تلك الرؤية السديدة من لدن جلالته ـ أيده الله ـ جاءت لتعبر عن همٍّ وشاغل وطني بالقطاع الخاص كشريك رئيسي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقاطرة حيوية في حركة تشغيل القوى العاملة الوطنية، استشعارًا بما بينهما من خيط رفيع يربط النمو والازدهار الاقتصادي من ناحية، وقضية العدالة الاجتماعية والبعد الاجتماعي للتنمية من ناحية أخرى، بما يحفظ للمجتمع استقراره وتقدمه ولحمته، ويجعله بيئة مستقرة مواتية لجذب مزيد من الاستثمارات على مختلف الأبعاد.

وفق هذا التقدير كانت التوجيهات والرؤي السامية على هذا الصعيد، انطلاقًا من نظرة شاملة ترى في التحفيز والترغيب بالقطاع الخاص مدخلًا متميزًا للتجويد وديمومة العمل فيه، وتواكب ذلك مع دور حكومي مشهود أسهم في تعبيد الطريق والأخذ بيد القطاع الخاص لخلق تلك البيئة الجاذبة من خلال توحيد الإجازات مع القطاع العام، وتطبيق الحد الأدنى للأجور منذ يوليو الماضي، علاوة على ما قطعته وزارة القوى العاملة من أشواط ملحوظة في إلحاق شباب الوطن للعمل بالقطاع الخاص.

رغم ذلك، ينبغي الإقرار بأن الحكومة لا تملك العصا السحرية لتغيير الأوضاع مئة وثمانين درجة، إذا لم تلقَ التعاون الكامل واللازم من طرفي العمل، أو لم يكن التجاوب عند المستوى المطلوب، خاصة في ضوء الأرقام التي كشفها معالي الشيخ عبدالله بن ناصر البكري وزير القوى العاملة والتي تشير إلى أن الوزارة تتعامل مع ما يزيد على 134 ألف مؤسسة بها مليون و488 ألف عامل منهم 217 ألف مواطن، واللافت في تلك الأرقام أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والبالغ عددها 119 ألف مؤسسة بها 610 آلاف وافد مقابل 10 آلاف عماني فقط.

بديهي إذن أن تتجدد الدعوة بضرورة قيام تلك المؤسسات بدورها المطلوب تشغيلًا وتدريبًا وتحفيزًا، وأن تبذل ما في وسعها لتسجيل اسمها كرقم صعب ومهم في مسيرة التنمية الوطنية، مع الأخذ في الاعتبار أن التعمين ليس مما يندرج تحت بند الموارد البشرية والإمكانيات الاقتصادية فحسب، بل الأحرى القول إنه قضية وطنية بامتياز ترتبط ارتباطًا جوهريا بهوية هذا الوطن ومستقبل عاداته وتقاليده التي باتت اليوم على المحك، في ظل هذه الغزو الشرس من الأيدي العاملة الوافدة والتي تشكل خطرًا داهمًا على حضارة وتراث هذا الوطن العظيم.

في المقابل، يبقى على شبابنا دور مهم لاقتحام ميادين العمل في القطاع الخاص، وعدم التشدد في شروطهم للالتحاق بالعمل، فالحكمة العربية القديمة تقول "ما لا يُدرك كله لا يُترك كله"، وما من شك أن التدريب والصقل ورفع المستوى الذاتي بالدورات قبل الالتحاق بالعمل هو استثمار رابح في المستقبل، ووسيلة مهمة لفرض واقع عماني قوي في ظل المنافسة المحمومة التي يعيشها سوق العمل بالقطاع الخاص.

Email