وعد كاذب!

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن تحديد وزير الخارجية الأميركي جون كيري فترة تسعة أشهر كسقف زمني لانتهاء المفاوضات الفلسطينية ـ الصهيونية هو بمثابة إمساك بساعة ميقاتي لحمل كاذب في مفاوضات كتب عليها الفشل، ليس ذلك من قبيل التشاؤم أو تسويد الصورة، بل انكشاف لوعود معسولة وآمال كاذبة لا تدعمها أي عناصر أو أدوات للمصداقية وحسن النية على الأرض، بل إن كل ما يجري يُعقد أي فرص للتوصل إلى مجرد حل مؤقت وليس اتفاقًا للسلام.

كيري نفسه ـ صاحب الكلام المعسول عن حمل التسعة الأشهر الكاذب ـ أعرب في حديث مع عدد من أعضاء الكونجرس الأميركي عن اعتقاده أن كيان الاحتلال الصهيوني قد يحتفظ في نهاية المطاف بنحو 85% من المغتصبات والمستعمرات الاستيطانية في الضفة تحت سيادته وضمن حدوده، فإلى أي حد بلغت نزعات الاستخفاف مبلغها بالأميركي والمحتل الصهيوني عندما يعمدان لحياكة المؤامرات لجر الطرف الفلسطيني إلى مفاوضات تسلمهم فتات الأرض بعد تشظيتها وتمزيقها بالمغتصبات والكتل الاستعمارية، التي تقضي عمليًّا على فرص قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وهو الهدف الفلسطيني ـ العربي من أي مفاوضات مقبلة.

تماشت تلك الضمانة الأميركية للمغتصبات والمستعمرات، مع استمرار الجرائم الديموغرافية الصهيونية على الأرض، والرامية إلى تغيير التركيبة الإنسانية في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وأبرزها وليس آخرها على سبيل المثال تمرير سلطات الاحتلال الصهيوني لمخطط تشريد 1300 فلسطيني من قراهم الواقعة في جنوب جبل الخليل بجنوب الضفة الغربية بذريعة أنهم موجودون في منطقة تدريب عسكري على إطلاق النار، وأن طردهم من المكان سيوفر الوقت على جيش الاحتلال، وفي المقابل فإن هذه السلطات الاحتلالية لا تطالب بإخلاء بؤر استيطانية عشوائية في المكان نفسه!

إلى جانب تلك الجرائم، يبقى وضع القدس جوهر النقاش في أي تسوية مقبلة، وهي مسألة باتت في حكم المستحيل، حيث استعرت نوبات اقتحام قطعان المستوطنين للمسجد الأقصى، وبعد يومين من الإعلان عن بدء المفاوضات كشف النقاب عن تحويل مسجد النبي داوود في القدس إلى كنيس يهودي وإزالة كافة المظاهر الإسلامية عنه، حيث كانت جهات يهودية متطرفة اقتحمت المسجد التاريخي المذكورالواقع في حي آل الدجاني جنوب غرب المسجد الأقصى المبارك، للمرة الثانية خلال أسبوعين، وخلعت وكسرت الجدران الثلاثة التابعة له المصنوعة من السيراميك والرخام العثماني العريق. وبعد تكسير السيراميك من على جدران المسجد من قبل يهود متطرفين قررت ما تسمى دائرة الآثار الصهيونية عدم إعادة ترميم السيراميك، وإنما إزالة كل ما هو عربي وإسلامي عن المسجد الذي تحول إلى كنيس.

ولنا أن نتساءل: عن أي مفاوضات يجريها الفلسطينيون مع كيان احتلالي غاصب يرفض تقديم إثباتات رغبته في التفاوض من أجل حل الصراع والاستقرار، ويقدم إثباتات ما يؤكد عكس ذلك؟ وعن أي اتفاق خلال 9 أشهر يتطلع إليه الأميركي، في حين أن الكنيست الصهيوني أيد مشروع قانون يقضي بإجراء استفتاء "شعبي" على أي اقتراح لتبادل الأراضي مع الفلسطينيين، وهو ما يضع تنفيذ أي اتفاق قد يتم توقيعه تحت رحمة هذا الاستفتاء والحالة المزاجية للشارع الصهيوني المتطرف بطبعه حتى في أزهى عصور السلمية ، أي أن عراقيل المفاوضات ومتاريسها ستنتقل من الخارج إلى الداخل؟

 وما قيمة العزم على الإفراج عن أسرى فلسطينيين انتهت محكومياتهم أساسًا، مكافأة للجانب الفلسطيني على قبوله الخضوع للإرادة الصهيو ـ أميركية، وهو عزم مجرد من أي رغبة حقيقية أو ضمير؟ بدليل أنه ـ لو تم ـ سيكون على دفعات، فضلًا عن أنه لا يزال قيد البحث والمراجعة، ما يجعل من المحتمل أن هذا العزم غير متحقق وإنما هو من أجل مخادعة الفلسطينيين، وبالتالي فإن جميع المؤشرات تؤكد أن التسعة أشهر "الكيرية" ستكون حمْلًا أو وعداً كاذبًا.

Email