الاتفاق بعد 9 أشهر .. أفلح إن صدق

ت + ت - الحجم الطبيعي

 تحت حراب الاستيطان وعلى وقع المزاعم الصهيونية أن أي مساس بالكتل الاستيطانية الكبرى أو حتى الصغرى قد تفجر حربًا أهلية بين قطعان المستوطنين، خرج عرَّاب المفاوضات جون كيري وزير الخارجية الأميركي بإعلان جديد يتبع به نجاحه في إقناع بل إرغام الجانب الفلسطيني على قبول التفاوض مع اللص الصهيوني دون شروط، وذلك بإعلانه أن المفاوضين الفلسطينيين والمحتلين الصهاينة اتفقوا على اللقاء مجددًا خلال أسبوعين بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي خلال تسعة أشهر.

ويأتي هذا التطور "الكيري" في الوقت الذي يتحدث فيه اللصوص الصهاينة عن "تشجع" و"إثارة" و"أمل" بعد الاجتماع الأول، وقد طغت الابتسامة الخبيثة كالعادة على محياهم وهم يعلنون على الملأ "الإثارة الكبيرة"، في حين كان العبوس وتقطيب الجبين باديًا على وجوه الجانب الفلسطيني.

طبعًا، لا أحد ضد تطور من شأنه الوصول إلى اتفاق سلام نهائي، على العكس من ذلك تمامًا، فهذا الاتفاق يعني التفاوض على قضايا الحل النهائي التي كان ولا يزال يرفض المحتلون الصهاينة منذ توقيع اتفاق أوسلو الإتيان عليها، إلا أن هناك التباسًا وإبهامًا كبيرين يدفعان إلى التزام التشكيك أكثر من التزام التصديق، وذلك من خلال العناوين الكبيرة التي بدت عليها الجولة الأولى من المفاوضات في واشنطن، حيث إن الجانب الفلسطيني ظهر فيها بدون أنياب، بل حمَلًا وديعًا وسط ذئاب، وهذا يتبين من خلال إسقاط الشروط الفلسطينية لاستئناف المفاوضات، وسير الوقائع على الأرض لصالح كيان الاحتلال الصهيوني حيث سرطان الاستيطان مستمر في الانتشار في الجسد الفلسطيني، وابتزاز الجانب الفلسطيني بقبول استئناف المفاوضات مقابل إطلاق سراح مئة وأربعة أسرى وعلى دفعات، يقابل هذه الخطوة مشروع سرقة جديدة ضخم عبارة عن (5500) وحدة سكنية. وهنا السؤال الذي يفرض نفسه: ما ماهية اتفاق السلام النهائي الذي سيكون بعد تسعة أشهر ـ خاصة بعد تعيين مارتن إنديك السفير الأميركي السابق لدى كيان الاحتلال الصهيوني مشرفًا على هذه المفاوضات، وهو صهيوني أكثر من الصهاينة ـ في حين يرفض العدو المحتل الاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية المنتظرة وهي حدود عام 1967م، ويرفض الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، ويرفض عودة اللاجئين، وإطلاق سراح جميع الأسرى؟

في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن صيغة احتلالية ولصوصية تقوم على تبادل أراضٍ، ودولة فلسطينية منزوعة السيادة والسلاح، قد ترى النور وقد لا تراه، لكون أن الاتفاق المنتظر سيتم الاستفتاء عليه داخل فلسطين المحتلة لمعرفة رأي قطعان المستوطنين، وهناك حديث يدور بين من يوصفون بأنهم "خبراء استراتيجيون" وغيرهم عن أن أي إزالة أو تغيير في وضع المغتصبات "المستوطنات" سيفجر حربًا أهلية بين قطعان المستوطنين، كما أن ثمة رفضًا صهيونيًّا واسعًا لرؤية حل الدولتين.

أفلح كيري إن صدق، لكن بالنظر إلى التاريخ الأميركي في رعاية ما يسمى عملية السلام، لم يقدم موقفًا واحدًا نزيهًا وشفافًا ومحايدًا يمكن أن يقنع الفلسطينيين والعرب بفاعلية وصدقية الدور الأميركي في حل الصراع العربي ـ الصهيوني، فالكلام عن اتفاق نهائي لتسعة أشهر يذكرنا بأدوار جورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج بوش "الصغير" الذي أعلن عن خريطة طريق، وفي فترة إدارته أعلن عن بدء مفاوضات تنتهي بتوقيع اتفاق سلام قبل نهاية عام 2008م، في حين لم تكن نهاية هذا العام سوى عدوان غاشم وجرائم حرب صهيونية بحق الأطفال والنساء والمسنين في قطاع غزة. ولذلك نضع أيدينا على قلوبنا من أن يكون إعلان كيري هذا مقدمة لعدوان ما ضد دولة عربية أو ضد الفلسطينيين أيضًا.

Email