العودة لسلمية الثورات ورفض العنف

ت + ت - الحجم الطبيعي

تجلت عبقرية الربيع العربي بتفجيره ثورات سلمية، حظيت بالتفاف شعبي لا مثيل له و بتمسك الفعاليات الشعبية بتلك السلمية كشعار ومبدأ لا رجعة عنه ورفضها الانجرار الى كمائن الأنظمة ما أدى الى إرباك الأخيرة واضطرارها للاستقالة.

  وليس بعيدا عن هذا السياق فإن ما يحدث في مصر بعد الثورة الثانية من انقسام في الشارع وانجرار الى العنف تحت لافتة حرق الأرض، وشل الدولة، هو أمر مؤسف ومؤرق ويشي بتداعيات خطيرة، بخاصة بعد سقوط عدد من الضحايا واضطرار القوات المسلحة الى التدخل للفصل بين الفريقين المؤيدين لثورة 30 حزيران والمعارضين لها المصرّين على عودة  الرئيس المخلوع.

إن المطلوب  من الفريقين المتصارعين أن يحافظا على حرمة الدم المصري، فلا يتسببان  بإراقة هذا الدم الحرام في الشهر الحرام وأن يجعلا هدفهما الأول والأخير الحفاظ على مصر الدولة وعلى مؤسساتها، فانهيار الدولة - لا سمح الله - سيكون وبالا عليهما وعلى الشعب المصري والأمة كلها، وعليهما أن يعودا الى أهداف ثورة يناير المجيدة التي رسخت سلمية الثورة، في الأرض المصرية والعربية، وكانت وما زالت السلاح الفاعل والأوفى في مواجهة الأنظمة وإرباكها وإجبارها على الرضوخ لمطالب الشعب.

ندعو الشعب المصري، بخاصة من يرفضون الحوار ويصرون على التظاهر، وممارسة العنف والاعتداء على الآخرين أن يتعظوا ويستفيدوا من  تجربة سوريا الدامية حينما انجرت المعارضة الى حمل السلاح، فأشعلت حربا أهلية قذرة، ادت الى مقتل اكثر من مائة الف مواطن سوري، وتشريد الملايين الى دول الجوار، وتحويل الشام الى ارض محروقة ومدنها الى مدن اشباح وفتح الباب على مصراعيه للقوى الأجنبية، التي وجدت في الساحة السورية ميدانا لتصفية الحسابات، وإشعال حرب مذهبية بدأت نيرانها تقتحم  دول الجوار، وتوشك أن تعم المنطقة  كلها.

إن حب الوطن يفرض على أبنائه التضحية بالمكاسب الدنيوية والحزبية وعدم الانجرار الى مربع الفتنة ليبقى عزيزا مهابا.. وبعبارة مختصرة فإن ما يحدث في مصر يفرض على الإخوان المسلمين دراسة تجربتهم وتقويمها ومحاكمتها  للتخلص من السلبيات وتعظيم الايجابيات والابتعاد عن العنف.. فدعوتهم قائمة على الكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة “وجادلهم بالتي هي احسن” وأن يقبلوا على المصالحة الوطنية، فالمسلم هو الأجدر بالحفاظ على الوطن،  والأجدر بحقن دماء المسلمين، والأجدر بالجنوح الى التسامح والعفو.. والذي هو سمة أخلاق النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.

ونسأل: ماذا يفيد الإخوان المسلمين إذا انتصروا على خصومهم في مقابل تدمير مصر كما هو الحاصل اليوم في سوريا؟!

مجمل القول: إن الخروج من المأزق الذي وصلت اليه مصر يستدعي العودة -قولا وعملا- إلى مبادئ وأهداف ثورة يناير المجيدة، وفي مقدمتها التمسك بسلمية الثورة، ورفض كافة اشكال العنف. والتجييش الذي يلجأ اليها الإخوان المسلمون لشل الدولة وحرق الشارع، وفرض شروطهم والعودة الى الحكم بعد أن أسقطهم الشارع، وأن يتعظوا من تجربة سوريا الدامية، فاللجوء الى العنف هو تدمير للذات وتدمير للدولة، وفتح الأبواب للتدخلات الأجنبية، والغرق في الفوضى الهدامة.

والعاقل من اتعظ بغيره.
 

Email