الحل لا يتم بتجاهل الثوابت الفلسطينية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لن يكون مفاجئًا ـ كما سبق وأن أشرنا ـ أن يكون الفشل من نصيب مساعي جون كيري وزير الخارجية الأميركي في جولته المكوكية السادسة، مثلما فشل في جولاته السابقة من أجل استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والمحتل الصهيوني.


الحكم بالفشل على نتائج الجولة السادسة لكيري قبل أن ينهيها التي مددها لسماع موقف القيادة الفلسطينية من مقترحاته، لم يكن من قبيل التسرع في إطلاق الأحكام الاستباقية، أو من باب النظر إلى النصف الفارغ من الكوب، وإنما من خلال النظر إلى الأفكار التي قدمها كيري التي يفترض أن تمثل الأرضية الحقيقية الصلبة التي ستقف عليها الجهود التالية من استئناف للمفاوضات وصولًا إلى بلورة حل جدي وحقيقي للصراع العربي ـ الصهيوني، حيث أراد الوزير الأميركي أن تستأنف المفاوضات تحت حراب الاستيطان ورماح تهويد القدس المحتلة ومعها الضفة الغربية، ومناجل جز رقاب الثوابت الوطنية الفلسطينية بدءًا من وضع القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، ومرورًا بعودة اللاجئين والإفراج عن الأسرى، وانتهاءً بحدود عام 1967م.


إن أي جهد أميركيًّا كان أو غير أميركي يتجه إلى تحريك ملف الصراع العربي ـ الصهيوني إلى عتبات الحل النهائي وتوقيع اتفاقية سلام نافذة وشاملة ومقسطة بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني، ما لم تصحبها النيات الصادقة وتتضافر معها بقية الجهود العربية والدولية، وتبتعد عن الانحياز لطرف وتتخلى عن سياسة النفاق والممالأة، فإن مصيرها الفشل لا محالة، وسيكون مصيرها الفشل؛ لأنه من الوهم، الاعتقاد مجرد الاعتقاد أن الفلسطينيين باتوا في وضع صعب وتحاصرهم الضغوط من كل حدب وصوب، وأنهم أضحوا رهينة بأيدي الحلفاء الاستراتيجيين لكيان الاحتلال الصهيوني بسبب المعونات المالية وبعض الفتات الاقتصادي.

واختفاء الظهير العربي المساند، وتخندق بعض العرب في الخندق الغربي المتدخل في الشأن الداخلي لبعض الدول العربية، وتسوُّل هذا البعض الدعم الغربي والمطالبة بالتدخل العسكري ضد دول عربية، ما يجعل الفلسطينيين لقمة سائغة في فم الاحتلال الصهيوني. ولو كان الفلسطينيون إلى هذا الحد من السذاجة بحيث يمكن استغفالهم وأخذهم على حين غرة للتنازل عن ثوابتهم الوطنية، لكانت القضية الفلسطينية طويت صفحتها منذ زمن، ولم يبقَ أمامهم وأمامنا سوى أطلال نصبح ونمسي عليها، فها هم الفلسطينيون بالفم الملآن وبصوت واحد يقولون لجون كيري ارجع إلى حيث أتيت، فأنت لم تكن طرفًا نزيهًا وفاعلًا ومؤثرً.

بل أنت ساعي بريد جاء يحمل شروطًا وإملاءات صهيونية ليس إلا، ولهذا لم تقتنع معظم الفصائل الفلسطينية بمقترحات كيري في الاجتماع الذي ضم أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح واللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية والأمناء العامين للفصائل، إذ لا يمكن العودة إلى المفاوضات دون مرجعيات واضحة على أساس حدود عام 1967م وتوقف الاستيطان وعودة اللاجئين، يعترف بها خاصة كيان الاحتلال الصهيوني، وإلا فإن كل الترتيبات الجارية هي لأجل البحث عن غطاء شرعي لمواصلة نهب الأرض الفلسطينية.


إن من المفترض أن يكون الأميركيون قد هضموا حقيقة أن التنازل عن الثوابت الوطنية الفلسطينية ليس بمقدور أحد أن يُقْدم عليه أو يفاوض عليها منفردًا، وليس واردًا الاستعداد نحو ذلك من قبل أي فصيل فلسطيني، أو طرف عربي، ولذلك إن كان الأميركيون صادقين، فعليهم إبداء صدقهم بالضغط على حليفهم الاستراتيجي كيان الاحتلال الصهيوني، وإجباره على التخلي عن سياسة المماطلة والمراوغة، وأن يمتنع عن وضع المتاريس، ويلتزم بالاستحقاقات الواجبة عليه إن أراد سلامًا بحق.
 

Email