تجربة الربيع الأردني .. نموذج يحتذى

ت + ت - الحجم الطبيعي

دون ادّعاء، نستطيع أن نجزم بأن تجربة الربيع الأردني تمثل نموذجاً يقتدى في المنطقة كلها. في الوقت الذي فشلت فيه تجارب الإسلام السياسي في الحكم، وغرقت أقطار شقيقة في مستنقع الدم بعد أن انحازت الأنظمة الحاكمة الى القوة المسلحة والحلول الأمنية ما أدى الى اشعال حرب أهلية، وفتح الأبواب على مصراعيها في التدخلات الأجنبية.

وفي محاولة لالتقاط هذا النجاح نجد بداية انحياز جلالة الملك عبدالله الثاني الى الربيع، مسجلاً سابقة في المنطقة كلها، إذ لم يعلن زعيم عربي انحيازه الى هذا الحدث التاريخي، وهو ما يؤكد رؤية جلالته الثاقبة، وإيمانه المطلق بالإصلاح، وقد وجد في الربيع فرصة لا تتكرر للتغلب على الصعوبات التي تعترض مسيرة الإصلاح التي بدأت في الأردن قبل هبوب رياح الربيع.

من ناحية أخرى حرص جلالة الملك على إشراك كافة الفعاليات لتحقيق الوفاق الوطني من خلال حوار هادف بنّاء أثمر عن تغيير أكثر من ثلث مواد الدستور ما أفضى الى تشكيل محكمة دستورية وهيئة مستقلة للاشراف على الانتخابات، وتعزيز مكانة القضاء بصفته الملاذ الأخير للمظلومين وتعزيز الفصل بين السلطات الثلاث.

وجاءت الانتخابات النيابية الأخيرة لتؤكد نجاح هذا النموذج من خلال إقبال المواطنين على المشاركة بنسبة تفوق الانتخابات السابقة وقد تجاوزت 56% ما يؤكد اصرارهم على التغيير والاصلاح من خلال المؤسسات التشريعية والأطر الدستورية بعد ان ثبت فشل اسلوب المقاطعة.

وفي هذا الصدد حرص جلالة الملك على تعميق مفهوم الإصلاح التدريجي والتحول الديمقراطي من خلال الأوراق النقاشية الأربع التي طرحها متكئاً على تجربة دول عريقة في هذا المجال مثل: فرنسا بريطانيا واميركا.. الخ، اذ استغرقت مسيرة تلك الدول الديمقراطية عشرات السنين حتى وصلت الى ما وصلت اليه.

ومن هنا لا بد من تعميق عملية التمكين الديمقراطي بشقيها السياسي والاقتصادي وصولاً الى الحكومات البرلمانية ما يستدعي بعث الحياة في الأحزاب واعطاءها الفرصة اللازمة لتصبح جزءاً رئيساً من العملية السياسية والمحور الرئيس للانتخابات وتشكيل الحكومات البرلمانية من الأحزاب الفائزة في حين تشكل الأخرى الخاسرة حكومة الظل.

إن الإصلاح التدريجي يستدعي تثبيت دعائم الديمقراطية وركائزها الاساسية بصفتها الضامن للمسيرة، واهم هذه الدعائم هي: الإيمان بالرأي والرأي الآخر، واحترام رأي المعارضة، والاعتماد على الحوار كوسيلة وحيدة لتحقيق الوفاق الوطني.

لقد استطاع الأردن من خلال الحراك الشعبي السلمي ان يشكل حالة عربية فريدة، فرغم مرور اكثر من سنتين ونصف على الحراك لم تشهد عمان والمحافظات أي خروج على النظام العام، ولم تسفك قطرة دم واحدة، وبقي المشاركون أوفياء لمبادئ وقيم سلمية الحراك حتى تحقيق أهدافهم المعلنة.

مجمل القول: لقد استطاع الأردن بوعي قيادته والتفاف شعبه حول هذه القيادة انجاز تجربة رائدة في الإصلاح والتحول الديمقراطي يعتمد على اسلوب التدرج، ورفض اسلوب حرق المراحل، في الوقت الذي فشلت فيه تجارب الإسلام السياسي في مصر ما يؤكد صوابية نهج جلالة الملك وحكمته التي جنبت هذا الحمى العربي المزالق والمتاعب التي عصفت في الدول الشقيقة.

 (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) .

صدق الله العظيم.
 

Email