هلَّ علينا .. شهر يستحق منا كل تضحية

ت + ت - الحجم الطبيعي

 اليوم هو الأول من شهر رمضان المبارك الذي فرضه الله على عباده، وخصَّ به ذاته العلية، وميزه بالفضائل والأجر والثواب عن سائر الشهور، ليحوز هذا الشهر دون منازع صفة العظيم، لتعظيم الله له بالأنعم العديدة من رحمة ومغفرة وعتق من النار، ومن ثم تعظيمه في قلوب وأنفس وروحانيات عباده المؤمنين ليكون شهرًا بأيامه الثلاثين أو التسعة والعشرين ميدانًا يتنافسون فيه مستغلين ساعات هذه الأيام ودقائقها وثوانيها في الصيام والقيام وتلاوة القرآن والصدقات وصلة الأرحام. وما يميز هذا الميدان الرباني أن كل من أخلص عمله وتوجه به إلى الله، واستغل أيام الشهر أيما استغلال يكون فائزًا فيه وبحسناته وبأجره العظيم، لا سيما أجر ليلة القدر التي فَضْلُها هو خير من ألف شهر، وليس الفائز فيه وبه هو فردًا واحدًا ليحتل المركز الأول، ومن يليه الثاني والثالث وهكذا دواليك.

وما من شك أن التنافس في هذا الشهر له خصوصيته، وله لذته التي لا تضاهيها لذة، والتي لا يشعر بحلاوتها إلا من كان قلبه عامرًا بالإيمان والإخلاص والتقوى والورع، وليس التنافس على مختلف أصناف الطعام والشراب، ووضع أكثر أنواع الطعام والشراب على الموائد، وإنما ترك لذة طعامه وشرابه، وبذَلَ الجهد ليشعر بمعاني الشهر وبروحانياته وآدابه وحكمه ليحصل على التقوى، وليحس من خلال تركه الطعام والشراب بمعاناة إخوانه الفقراء وعوزهم وشظف عيشهم، وما يعتري الآخرين من معاصٍ وخطايا متعمدة أو غير متعمدة ليدعو لهم بالهداية. إنه شهر أفاض الله فيه من فيوض الرحمات والغفران والخير والجزاء العميم، فمن أدى فيه خصلة من الخير كان كمن أدى فريضة في غيره، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة في غيره، وأن من صامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، وجعل الله الجنة ودخولها من باب الريان أعظم جائزة يفوز بها المتسابقون من عباده الصائمين.

إذن ها هم المسلمون بعد أن وفقهم الله لرؤية هلال شهر رمضان يوم أمس يدخلون مرحلة جديدة من مراحل الإيمان لها فرادتها التي جاءت من فرادة شهر رمضان المبارك، حيث يتنسم الصائمون في مشارق الأرض ومغاربها نسماته الروحانية والذي خص الله نفسه فيه بفريضة الصوم كما جاء في الحديث القدسي "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"، لكونه عبادة سرية لا يعلم حقيقة العبد وإخلاصه في هذه الفريضة إلا عالِمُ السر والعلن.

ويأتي رمضان هذا العام ولا تزال الأمة الإسلامية عامة والعربية بصورة خاصة، بين شمْلٍ مبعثر، وصف ممزق، ووحدة مضيَّعة، ومصير ضائع، وحال يسر عدوًّا ويعمق جراح صديق، وما أحوج هذه الأمة اليوم إلى استغلال رحمات هذا الشهر وفضائله في التصالح والتآخي ونبذ الفرقة والخلافات وإعادة المياه إلى مجاريها، وإسبال الخير وتعظيم حرمات هذا الشهر، وتعظيم حرمات الدين والدم والأخلاق والأعراض، والتخلي عن الاحتراب والفتن والتحريض والتأليب، من أجل الإسلام ورسالته السمحة وعدم جعله عرضة للتشويه أو إعطاء أعدائه فرصة للنيل منه.

نسأل الله أن لا ينقضي رمضان إلا وقد تحققت للأمتين العربية الإسلامية عزتهما ووحدتهما، وأن يزيل عنهما البلاء والأعباء ويبعد عنهما شر المحن والفتن، ويرد كيد أعدائمها في نحورهم.

وختامًا نسأل المولى جلت قدرته أن يعيد هذا الشهر الفضيل على قائد مسيرة نهضتنا وتاج عزنا وفخارنا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة، ويديم السلام والأمن والرخاء لعُمان ولشعبها تحت قيادته الظافرة والحكيمة، ويكتب السلام والأمن للعالم أجمع، إنه سميع مجيب.

Email