مصر العروبة .. أولا

ت + ت - الحجم الطبيعي

 لا يملك كل متابع منصف لما يجري في مصر العروبة من تجاذبات حادة بين المعارضين والمؤيدين للرئيس المعزول محمد مرسي، إلا أن يضع يده على قلبه ويتجه إلى الله تعالى بالدعاء بأن يحفظ أُمَّ الدنيا الغالية على كل قلب عربي مخلص محب لتراب الوطن العربي من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، خاصة بعد أن انكشفت لكل ذي لب وعقل مستنير وبعيدًا عن العاطفة، أن هناك مشروعًا صهيو ـ أميركيًّا يراد له أن ينفذ في المنطقة وينجز بأسرع وقت وعبر تجنيد أدوات من الداخل، وهو مشروع لا يستثني أحدًا لا سيما الدول العربية ذات التاريخ الحافل بالإنجازات والانتصارات والتي لعبت أدوارًا بطولية لا يملك المرء أمامها إلا أن ينحني لها تحيةً وإكرامًا على ما قدمته من تضحيات، مقدِّمةً دماء أبنائها وخيرة جنودها وأموالها ومقدراتها رخيصةً دفاعًا عن أشقائها المكلومين والمظلومين، وما من شك أن هذه الدول العربية وفي مقدمتها جمهورية مصر العربية والجمهورية العربية السورية تقف على أعتاب مفصل تاريخي بين التبعية والخنوع والاستسلام ونزع السيادة والاستقلالية، وبين التمسك بالسيادة والاستقلال والهوية ورفض التبعية.

يجب الاعتراف أن الحراكات الشعبية التي شهدتها مصر في الخامس والعشرين من يناير، ومن ثم الحراكات الشعبية في الثلاثين من يونيو الماضي كان دافعها بالدرجة الأولى، قضايا اجتماعية من عدالة اجتماعية ومساواة ولقمة عيش كريم وفرص عمل تؤمِّن الحياة الطيبة لكل مواطن مصري، حيث بلغ الفقر بالمواطن المصري مبلغه، لا سيما وأن طبيعة الحياة تقوم على ما يجنيه هذا المواطن من كد يمينه وعرق جبينه في اليوم، وحين تتوقف حركة الحياة يومًا أو أيامًا ولا يستطيع أن يؤمِّن لقمة عيشه في ذلك اليوم، لا ريب تنسد أمامه الأبواب، ولا يملك ساعتئذٍ إلا أن يواجه مصيره ويقاوم الجوع، فالخلاص من هذه الحال المزرية هو ما يبحث عنه اليوم المواطن المصري الذي لا يخرج إلى الميادين ليتظاهر إلا حين يشعر أن مخالب الفقر وأنياب المنية بدأت تنشب أظافرها في جسده المنهك. بالطبع هذا لا ينفي الأسباب الأخرى الكامنة وراء هذا الحراك، والتي بالتأكيد ليس من بينها تنكر المصري لدينه، كما توحي بعض الأطروحات.

ولكن للأسف هذا المدخل الاجتماعي يتم اليوم توظيفه توظيفًا سياسيًّا من قبل قوى وجهات لا تبغي خيرًا لمصر ولا لشعبها، حيث يجري اللعب على المتناقضات الداخلية لتأجيج الصراع، ومحاولة إدخال مصر في أتون حرب أهلية طاحنة لا تبقي ولا تذر، ومفاقمة أوضاعها الاقتصادية والمعيشية المنهكة أساسًا، وتبعًا لهذا التوظيف فإن وتيرة المتغيرات أسرع مما يقع من تصورات في خيال كل متابع لما يجري في الساحة المصرية.

ولذلك فإن الأمر يجب أن لا يتوقف عند الالتزام بتنحية محمد مرسي والمطالبة بعودته إلى سدة الرئاسة، بل ينبغي أن ينظر إلى ما هو أبعد وأبقى من الشخوص والأفراد، ألا وهو الوطن المصري الحضن الدافئ والوعاء الواسع للشعب المصري وللشعوب العربية، وبالتالي لا يصح اختزال مصر العزيزة والغالية في شخص ما أو أشخاص أو حزب أو جماعة، وإنما يجب الاتجاه إلى بلورة ما يحفظ أُمَّ الدنيا وترابطها وتماسكها ووحدة نسيجها، ويفوت على المبغضين والصائدين في الماء العكر فرصهم التي يرون فيها أنها فرص ذهبية قد لا تتكرر للنَّيْلِ من مصر ومن شموخها ومجدها وحضارتها، وتاريخها ونضالاتها وتضحياتها، فنربأ بالمصريين أن يعرضوا أمن مصر للخطر، ونسألهم ونلح عليهم أن يحفظوا لنا مصر عزيزة أبية شامخة حاضنة مناضلة مدافعة عن قضايا الأمة، وأن تبقى كما كانت عصية على أعدائها، حاضنة لأبنائها وأبناء أمتها العربية المجيدة. فالإصرار على العودة إلى الوراء لن يخدم مصر وشعبها.

Email