مصر في خطر .. والعرب غائبون

ت + ت - الحجم الطبيعي

كم هو مؤسف -إلى حد الوجع- أن نلاحظ غياب الموقف العربي إزاء ما يحدث الآن في مصر العربية، واكتفاء كافة الدول الشقيقة -من الماء الى الماء- بدور المتفرج، وقيام البعض باستدعاء رعاياها على وجه السرعة، خوفا على حياتهم إذا ما عمت الفوضى وغاب الأمن والاستقرار.

إن هذا الموقف اللامبالي تجاه الشقيقة الكبرى ومقر الجامعة العربية، موقف يعبّر عن الزمن العربي الرديء، وحالة القطيعة المؤسفة التي وصلت اليها الأمة وقد تفرقت شيعا وأحزابا، بعد أن سيطرت عليها الخلافات، وسرت فيها روح التشاحن والبغضاء، وأيام داحس والغبراء الثأرية، وانفجر الصراع المذهبي “سنة وشيعة” بأبشع صورة. حتى بات يهدد وحدة الأقطار، ويشي بتقسيمها الى دول طائفية متصارعة متنازعة.

قد يقول قائل إن ما يحدث شأن داخلي يهم الشعب المصري الشقيق لوحده، ونقول لهم “لا” كبيرة!! فما يحدث - وإن كان شأنا مصريا- إلا أن آثاره وتداعياته الخطيرة تمس الأمة كلها، وتؤثر على مستقبلها، و مصالحها، لأنه يتعلق بمستقبل مصر.. وحاضرها، ومشروعها النهضوي، ويتعلق بتأسيس دولة مدنية حديثة، تحتكم الى العدالة والمساواة، والديمقراطية والتعددية والانتخابات النزيهة وتداول السلطة.

ما يحدث في مصر مهم جدا وخطير، لأنه يتعلق بالحفاظ على وحدة الشعب الشقيق.. وتنوعه.. و تلاحمه، ليبقى شعبا واحدا.. تصهره المواطنة الملتزمة، ويجمعه حب مصر، والحفاظ عليها، والعشق لنيلها الخالد، ، ورفض أية حلول أو اطروحات تنال من هذا التنوع العظيم الذي أثمر أعظم الحضارات البشرية ولا يزال يسهم بتقدّمها وتطورها وسيبقى الى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ما يحدث في مصر هو ثمرة الربيع العربي، ثمرة الحرية والكرامة والديمقراطية وتداول السلطة، ثمرة القيم والمبادئ التي زرعتها ثورة يناير المجيدة في الأرض المصرية، حيث أثمرت وعيا وكرامة ورفضا للتسلط، فبقي الشعب المصري ممسكا ببوصلة الثورة يراقب من يستلم السلطة، ويصر على محاسبته إذا اخطأ حتى لا تتكرر التجربة المريرة السابقة في أرض الكنانة، والتي أدت الى تحويل الطغاة الى فراعنة، والوطن الى عزبة لهم ولأبنائهم وأنسبائهم، فباتت مصر من أفقر بلاد الدنيا في عهد مبارك.

إن التحولات الخطيرة التي تعصف بمصر.. ستؤثر حتما على كافة الدول الشقيقة. وذلك لموقع مصر الاستراتيجي المهم في قلب الوطن العربي، وعدد سكانها الذي شارف على المائة مليون، ودورها التاريخي بنهضة الأمة، وحمل مشروعها القومي سابقا، ومن هنا لا نستبعد أن يحاول أعداء مصر والأمة -بخاصة العدو الصهيوني- أن يستغل ما يحدث، فيعيث في أرض الكنانة تخريبا وتدميرا، كما يعيث اليوم في سيناء، ونجزم أن واشنطن ليست غائبة عن كل هذه التحولات وستكشف قادمات الأيام دورها فيما حدث وما سيحدث..!!

مجمل القول: تمر مصر الشقيقة الكبرى بتحولات خطيرة جدا تفرض على الدول الشقيقة، أن تخرج من مربع “الفرجة” الى مربع المبادرة والتدخل لدى كافة الأطراف، ومساعدتها على بلورة حل سياسي ديمقراطي يخدم إرادة الشعب منبثق من ثورة 25 يناير للخروج من المأزق الخطير الذي وصلت اليه، لإنقاذ الشعب الشقيق من فوضى عارمة تهدده وتهدد المنطقة كلها.

Email